عارف حمدان يكتب : مهداة الي الصديق العزيز ….الحارث ادريس .. . في لياليه البدرية

….
……… ………. …..
…وتمر ذكري جديدة لاستقلالنا ..حيث يتمدد الحزن ويشع الياس وتواصل نفوس ابية وارواح سامقة الذبول والانكسار لاحفاد كوش…وهم نحن…بفعل عجز عقل بشري منحنا اياه ..فقذفناه خارج اطار التاريخ والحضارة ..ورحم الله مواطنا بسيطا لا يدري ماذا فعل….
…تمر ذكري الاستقلال ولولا صوت وردي لقال الكثير ..ماذا هناك …والسؤال،، ماذا سنقول نحن الذين تعلمنا لربنا يوم القيامة حينما يسالنا ماذا فعلتم بارضي العظيمة التي منحتكم اياها دون سائر خلقي..
……..
..رقم الحزن علي حالنا الذي اوجد كائنات غريبة كالتي تحاربنا اليوم دون برنامج او هدف..فان هناك اشراقات كثيرة لابائنا الكرام الذين منحونا شرف ان نكون دولة مستقلة..وكثيرة هي مواقفهم وانجازاتهم وفيها من الروعة مايدهش ويعيد الينا بعضا من الثقة ..وهي مواقف ليست سياسية ولا اقتصادية ولا عسكرية ..وانما علاقات شخصية واسرية …الخ ساهمت في ترسيخ مكانتنا الاجتماعية والانسانية…والاجمل هناك مواقف فنية كان لها اثر السحر في جعل اهل السودان اصحاب حضور وجداني معتبر وخالد..وهو سبق بالمناسبة له سهم في بناء الدبلومسية المرنة او الناعمة في عالم اليوم رقم عجز الامم المتحدة عن توطيد ذلك..وقد كتبت رسالة مطولة عن نجاح الصين اقتصاديا ومعها تركيا والهند ابرز دول البريكست من خلال الاستفادة من الدراما …وبالمناسبة السودان هو رائد الدبلوماسية المرنه او..الدبلوماسية الحلوة ..كما اسماها سفير السعودية السابق استاذنا غازي القصيبي ..وهو كثير اعجاب بدبلوماسيينا..ولنا في سيرة اساتذتنا جمال محمد احمد والمحجوب ومحي الدين فارس وسيد خليفة ووردي وشرحبيل ومنصور خالد وفرانسيس دينق وغندور….الخ مجال للكتابة والدرس…
…..كثيرة هي المواقف الفنية والادبية في رفع مكانة السودان كمجتمع ملهم ومستوعب لانتاج الاخر اي كان..طبعا داخليا عجزنا عن ذلك بسبب صراعاتنا الصفوية …
من هذه المواقف…ونحن نحتفل بذكري الاستقلال موقف الفنان التاج مصطفي احد ابرز رواد حركة التجديد الغنائي في وطننا العربي لانه اول من قدم القصيدة الفصيحة غناءا بمشاركة الفرقة الموسيقية مع نهاية عام ١٩٤٨ وهي قصيدة …
ايها الساقي اليك المشتكي
ابرز الموشحات الاندلسية لابن زهر الاندلسي…
……. ….. .. ….
..في عام ١٩٥٦ اصبح السودان بلدا حرا مستقلا ينتظر منه الكثير بحكم تاريخه وتاثيره افريقيا وعربيا بل وعالميا فللسودنيين حضور باهر في كل الحقب التاريخية الممتدة ..وهذا بعيدا عن الدعاوي السخيفة التي انطلقت ايام الفتنه هذه مثل دولة ٥٦ وهي حيلة الغرض منها ابتلاع السودان للشركات متعددة الجنسية التي ستكون عما قريب البديل لدولة وستفاليا التي تتاكل كما يؤكد فيلسوف كندا السياسي الابرز في عالمنا اليوم ..تشالز تايلور….
..بعد الاستقلال اعلن عن انضمامنا الي المؤسسات الدولية والاقليمية كدولة ذات سيادة ووجدنا الترحيب من كل دول العالم وشعوبه لانهم يدركون دورنا ومساهمتنا في السلام والحرية العالميين ومن اراد الزيادة فليراجع تاريخ افريقيا العام الذي وثقته منظمة اليونسكو….
الا ان هناك بعض الاخوة العرب كان لهم راي مخالف حول انضمامنا لجامعة الدول العربية باعتبارنا افارقة ولسنا كاملي العروبة .لا اريد الحديث عن ما يسمي جامعة الدول العربية وموقفها الحالي حينما تولت احد دولها كبر تدميرنا والتزمت هي الصمت…ولكني اتحدث في الفترة من عام ١٩٥٦ حتي عام ١٩٦١ حينما تغير موقف بعض المثقفين العرب بعد حفلة التاج مصطفي في الجامعة الامريكية في بيروت اوائل عام ١٩٦١ ودهشة ابرز معارضي انضمامنا للجامعة العربية الشاعر الاسطوري بشارة الخوري او الاخطل الصغير…
٠٠٠٠عندما قدم استاذنا الكبير محمد احمد المحجوب طلب انضمام السودان للجامعة العربية كان الرئيس جمال عبدالناصر اكثر الشخصيات فرحا بذلك..اما وفد لبنان فلم يكن متحمسا لذلك خاصة السياسي الماروني الكبير ..كميل شمعون. وبالمناسبة تربطه علاقة اسرية مع اجمل صوت غنائي عربي معاصر الفنانه ماجدة الرومي ولست متاكدا من ذلك..وكان عدد اعضاء الجامعة سبع دول اذ لم تكن بقية الدول العربية قد نالت استقلالها بعد..وايده في ذلك بشارة الخوري ..وكان من مثقفي العرب انزاك المتشددين في انتمائهم القومي حتي ربطه بعضهم بحركة اليسار العربي مع انه شاعر كبير…وظل بشارة الخوري الذي عرف وسط شعراء العرب المعاصرين باسم الاخطل الصغير تيمنا بشاعرنا الانساني الكبير الاخطل ..غياث بن غوث بن الصلت ..احد ابرز رموز حقبة الشعر الاموي..ظل بشارة الخوري علي موقفه ذلك حتي جاءت حفلة الفنان التاج مصطفي في بداية عام ١٩٦١ للطلبة السودانيين في الجامعة الامريكية ببيروت ..ودعي بعض مثقفي لبنان الذين زاروا السودان في سنوات خلت ..دعوا بشارة الخوري لحضور هذا الحفل وان هناك مفاجاة ستذهله ..وفعلا حضر بشارة الخوري او الاخطل الصغير الحفل علي مضض خاصة وان استاذنا الراحل المقيم والملهم صاحب الملهمة ابرز اغنية سودانية تنويعا للموسيقي واللحن والتوزيع..استاذنا التاج مصطفي ذو بشرة خضراء تميل الي لللون الازرق وهو مالا يريده بشارة الخوري..
..ووسط دهشة الحضور بدا الاستاج التاج مصطفي الحفل باغنية…
…مي.
كلمات بشارة الخوري او الاخطل الصغير…
ومطلعها …
المها اهدت اليها المقلتين

….وصعق بشارة الخوري وكاد ان يغمي عليه ..ولم يتمالك نفسه وجري نحو المسرح ليري هل فعلا هذا من السودان حيث الشعب الذي لم يقدره حينما اعترض علي بعض عروبته…
ظل بشارة الخوري مندهشا والحضور ايضا ..ثم طلب سماع اللحن مرة اخري ..وزادت دهشته وسال استاذنا التاج ..يااستاذ اين وجدت قصيدتي هذه ..فقال له التاج في مجلتي الاداب البيروتية الرسالة …
ووقف بشارة الخوري متاثرا وسالت دمعة من عينه وتغير موقفه وقال انتم شعب عظيم وانت يااستاذ التاج فنان مثقف حقيقي بل انت ملهم اجيال ..ومعلوم ان الاخطل اعطي هذه القصيدة للاخوة رحباني لتلحينها للاسطورة فيروز الا انهما اعتذرا وكذلك اعتذر الفنان الكبير وديع الصافي وقبله فريد الاطرش…الخ…
ثم كتب بشارة الخوري عبارة خالدة …يااهل السودان انتم فخر وانا امامكم تلميذ..وهتف احب السودان واهله واتمني زيارته ..اما كميل شمعون فلم يقل بعد ذلك شيئا ..اما بقية المثقفين اللبنانيين وهم قلة فقد تواروا خجلا بعد مقالات الخوري ومدحه لاهل السودان حيث اكتشف ان حضوره الوجداني في السودان اكبر من بيروت واوسع تاثيرا ومعني…
..هذه الحادثة وهي بسيطة لكنها ذات اثر كبير ففي تاريخ الشعوب المعاصر لعبت الصناعات الثقافية والناعمة وفي مقدمتها الفنون والرياضة دورا مقدرا في اصلاح ذات البين واعادة لحمة الحياة لاطر التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والصناعة ثم السياسة…
..اننا نملك ادوات كثيرة تساعدنا في اداء دورنا لخدمة قضايا شعبنا خاصة بعد الحرب المفروضة علينا لمحونا وهي حرب قائمة علي تشويه دورنا الانساني وحضورنا الكبير في اقليمنا خاصة وان من يتولون كبرها لا يملكون معشار ماقدمناه وسنقدمه مستقبلا….فالراسمالية الامبريالية المتوحشة والمنتصرة هذه الايام لا تريد منا حضورا واثرا..بل تريد وطنا خاليا للاستيلاء علي ثرواته في ظل كثافات سكانية تواصل الارتفاع ومواد خام تتاكل بفعل الجشع الذي ترعاه وتبنيه…
وطنا عظيم ومدهش ..والحقد عينا تتسع دائرته ..لنا اخطاؤنا وذنوبنا ورحلة فشل مؤلمة ..لكن من بين الم ضلوعنا ..سينبت الزرع وتخضر الحقول ..لنا الله ورحمته وحب رسولنا .ص.
………
رحم الله استاذنا التاج مصطفي ونجوم اخرون صنعوا الاستقلال في عهدهم وهم بشر تركوا لنا التجربة والمعلومة ..
وتحية خاصة لقواتنا المسلحة وشعبنا المقاوم ..
…وسيبقي السودان وسينتصر ..وتلك الجراح ستظل ذكري اعتبار ودرس…
..رقم كل شئ
..الحمدلله علي نعمة الانتماء لكم ولارض السودان…
…… احبكم جميعا…
…….. ….
عارف حمدان
ربك ..٣ يناير ٢٠٢٥

Exit mobile version