أخر الأخبار

ضل التاية – بروفيسور ابراهيم محمد آدم – طوفان الأقصى وتأثيراته على الشرق الأوسط (2-3)

في مقالنا السابق اتضح أن الصراع لم يكن قاصراً هذه المرة على قطاع غزة ولكنه أمتد إلى جنوب لبنان حيث أن حزب الله وجيش الاحتلال تبادلا إطلاق النار على الحدود منذ 8 أكتوبر 2023م، أي بعد يوم من هجوم حماس في تضامن معهود بين جبهات المقاومة حيث اصبحت الجيوش العربية النظامية كلها لا تفكر في أي حرب ضد اسرائيل بما في ذلك الجيش السوري الذي لم يطلق طلقة ضد اسرائيل منذ العام 1973م.
مع لبنان قام العدو الاسرائيلي بتصعيد الحرب الى اقصى درجاتها في سبتمبر 2024م، حيث قتل زعيم حزب الله حسن نصر الله ومعظم قادة الحزب الرئيسيين في موجة من الغارات الجوية وكذلك عمليات تفجير لاجهزة هواتف محمولة خاصة بالحزب جرى الترتيب لها لسنوات طويلة، ولم تكتف قوات الاحتلال بالقصف الجوي والعقاب الجماعي للبنانيين في الجنوب وبيروت وسهل البقاع بل توغلت قواتها البرية في جنوب لبنان في أوائل أكتوبر2024م.
لم تكن ايران بعيدة عن تلك التطورات فبعد أن تلقى الإيرانيون نبأ عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية في السابع من أكتوبر 2023م، على الاحتلال الإسرائيلي بتنظيم احتفالات شعبية، وتظاهرات مثل التي انتظمت العديد من العواصم العالمية كما سبق ذكره فقد تكررت المشاهد ذاتها في إيران طوال فترة الحرب، وفي هذا السياق فان وزير خارجية إيران السابق حسين أمير عبد اللهيان كان أول من ألمح إلى إمكانية اتساع جبهات الحرب الدائرة في قطاع غزة ومحيطه إذا لم تنجح مساعي وقف العدوان، وشدد على أن إيران والمنطقة والفاعلين فيها “لن يبقوا متفرجين” إزاء هذا الوضع.
لذلك قامت إيران بشن أول هجوم عسكري مباشر في تاريخها على الكيان الإسرائيلي، يوم 13 أبريل 2024م، وأطلقت عليه تسمية “الوعد الصادق” حيث أعلنت على تلفزيونها الرسمي إطلاق مسيرات وصواريخ باليستية من أراضيها باتجاه إسرائيل. وقالت إنه رد على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق وقتل عدد من القادة العسكريين في الأول من أبريل 2024م، غير أن ذلك الهجوم لم يستطع تحقيق أهدافه نتيجة لقيام ذلك التحالف الذي ضم 16 دولة بالمشاركة في صد الهجوم على قوات الاحتلال الاسرائيلي، وامعاناً في استفزاز ايران كانت قوات الاحتلال قد سبقت ذلك باغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس داخل ايران اثناء زيارته لها.
امتد أثر الحرب الى الداخل السوري الذي شهد سقوط نظام الطائفة العلوية ممثلة في عائلة الأسد تحت ستار حزب البعث العربي الأشتراكي وقد استغل رئيس وزراء الكيان الصهيوني ذلك أداة لإظهار قدراته وإنجازاته في حرب طوفان الأقصى فأطلق يد جيش الاحتلال في القيام بالسيطرة على مناطق واسعة في العمق السوري في اختراق واضح لقواعد وقف اطلاق النار لعام 1974م، مشدداً على أن إسرائيل لن تتنازل عن الجولان السوري المحتل. كما أعرب عن شكره للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، لأنه في فترة وجوده السابق في الحكم تمكن من الحصول على اعتراف الإدارة الأميركية برئاسة ترمب بسيادة إسرائيل على الجولان.
إن طوفان الاقصى رغم ما أعاده من زخم للقضية الفسطينية اشعل مرة أخرى جذوة الجهاد والكفاح المسلح لتحرير فلسطين وما أوجده من تعاطف شعبي عالمي كما انه شكل كذلك ترتيبات في المنطقة قد تحتاج إلى سنوات لتجاوزها ووضع المعالجات اللازمة لتحقيق الوعد الرباني بحتمية زوال اسرئيل، فقد أثرت الحرب كثيراً على حزب الله اللبناني الذي استطاع تحرير الجنوب عام 2006م وكذلك دمر الاحتلال قطاع غزة الذي استطاعت حركة حماس تحريره في حرب عام 2009م وأثر كذلك كثيراً على تحالفات ايران في فلسطين ولبنان وسوريا، حيث انهار الجيش السوري امام هجمات هيئة تحرير الشام بسرعة مذهلة رغم أنه يمتلك الآلاف الدبابات ومئات الطائرات المقاتلة والقطع البحرية وعشرات الآلاف من المركبات وناقلات الجنود المدرعة والراجمات والصواريخ ويبدو أن الهدف المعلن هو اخراج سوريا رسمياً من محور الممانعة والمقاومة لفتح المجال أمام دول التطبيع والتسوية والتي تهمها فقط المصالح الاقتصادية والمتمثلة في استمرار صادرات النفط والغاز والتقاطعات الدولية التي تتحكم في ذلك وهناك مخطط يبدو ان موسكو وواشنطن قد رعتاه ونفذتاه، وهذا سيعيد المنطقة العربية كلها الى دائرة الاحتلال الأمريكي الصهيوني، وهنا من جديد تتكشف انتهازية الدول الكبرى في مسألة القواعد الخارجية في الدول الأخرى والمرسومة لصالح الاكبر فقط فها هي روسيا قد تخلت عن حليفها الاسد ووضعت على المحك وجود قواعدها الثلاثة البرية والبحرية والجوية في حيميم واللاذقية وطرطوس، وقد بدأت سحب بعض وحداتها من هناك. وحتى اذا انزلقت سوريا لحرب اهلية من احتمالاتها التقسيم فهذا يعني إعادة تموضع في تلك المناطق الى جانب بقاء امريكا في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا تحت ستار تنظيم صنعوه ثم اضعفوه وهو تنظيم داعش إلى جانب وجود تركيا في شمالها بحجة محاربة الأكراد الذين هم حلفاء لامريكا حليفة تركيا، وذاك يحتاج الى مقال آخر لاستشراف مآلاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى