من “نجم” إلى “معزول”.. رحلة سقوط رئيس كوريا الجنوبية

تتوالى فصول السياسة في كوريا الجنوبية بسيناريوهات درامية تفوق الخيال، وآخرها عزل الرئيس يون سوك يول، الذي بدأ مسيرته كمدعٍ عام بارز قبل أن يصبح رمزًا للجدل السياسي.

وفي تقرير نشرته صحيفة “كوريا تايمز” فإن رحلة “يون” المليئة بالتناقضات، من رجل قانون حاسم ورمز للنزاهة إلى زعيم يواجه اتهامات بالخيانة والأحكام العرفية، تسلط الضوء على مسيرة سياسية اتسمت بالصعود السريع والانهيار المدوي.

من مدعٍ عام إلى نجم شعبي
ولد يون سوك يول عام 1960، وبدأ مسيرته المهنية كمدعٍ عام في عام 1991 بعد محاولات متعددة لاجتياز امتحان نقابة المحامين. واشتهر بحزمه واستقلاليته في التحقيقات الحساسة، خاصةً عندما كشف في عام 2013 تدخل جهاز الاستخبارات الوطني في الانتخابات الرئاسية لعام 2012.

خلال جلسة برلمانية عام 2013، صرّح يون بجملته الشهيرة: “أنا لست مخلصًا لأي شخص، بل مخلص للمنظمة”، مما جعله رمزًا للنزاهة في نظر الجمهور. ومع ذلك، تعرض للتهميش بسبب مواقفه المستقلة، حتى عاد إلى الأضواء عام 2016 ليقود تحقيقًا في فضيحة الفساد الكبرى التي تورطت فيها الرئيسة السابقة بارك كون هيه.

قاد تحقيقات صارمة طالت مسؤولين حكوميين وشخصيات بارزة، من بينهم نائب رئيس شركة سامسونج آنذاك لي جاي يونج. وكان لهذه التحقيقات دور حاسم في عزل بارك عام 2017، ما رسّخ سمعة يون كمدعٍ عام لا يتهاون مع الفساد.

الانتقال إلى السياسة
في عام 2021، أعلن يون استقالته من منصب المدعي العام وبدأ رحلته السياسية، مستفيدًا من استياء شعبي واسع من إدارة الرئيس الليبرالي مون جاي إن. انضم إلى حزب المعارضة الرئيسي قوة الشعب وقدّم نفسه كمدافع عن القانون والنظام.

في انتخابات 2022، فاز يون بالرئاسة بفارق ضئيل، مستندًا إلى دعم المحافظين، لكن رئاسته لم تكن خالية من التحديات؛ إذ سرعان ما تورطت إدارته في سلسلة من الفضائح، أبرزها اتهامات موجهة إلى زوجته، ما أضر بشعبيته.

بداية السقوط
مع تدهور شعبية يون، جاءت الانتخابات البرلمانية في أبريل 2023 لتوجه ضربة قوية له، حيث فقد حزبه الحاكم الأغلبية البرلمانية لصالح الحزب الديمقراطي الكوري. ورفض يون الاعتراف بالهزيمة وتمسك بنظريات المؤامرة حول تزوير الانتخابات.

في ظل تصاعد التوتر السياسي، قرر “يون” في ديسمبر 2024 إعلان الأحكام العرفية، مبررًا ذلك بضرورة الحفاظ على الأمن، هذا القرار، الذي اعتبر تجاوزًا لصلاحياته، أثار غضب المعارضة وأدى إلى تحرك سريع في الجمعية الوطنية، التي صوّتت على عزله.

العزل والاتهامات بالخيانة
بعد 11 يومًا من إعلان الأحكام العرفية، أصبح “يون” الرئيس الثالث في تاريخ كوريا الجنوبية الذي يُعزل من منصبه، يواجه الآن تحقيقات بتهم الخيانة، التي قد تؤدي إلى سجنه مدى الحياة أو حتى الحكم عليه بالإعدام إذا أُدين.

وتُظهر رحلة يون سوك يول كيف يمكن للصعود السياسي السريع أن يتحول إلى سقوط مدوٍ. فمن مدعٍ عام شجاع قاد تحقيقات تاريخية، إلى رئيس متهم بتجاوز حدود السلطة، يبقى إرثه السياسي درسًا في التقلبات السريعة التي يمكن أن تواجه القادة في أنظمة ديمقراطية قوية ككوريا الجنوبية.

المشهد الآن متروك للمحكمة الدستورية التي ستقرر مصيره النهائي، بينما تُعاد كتابة فصول جديدة في تاريخ السياسة الكورية

Exit mobile version