التقى البرهان وعقار وجابر ووزير الخارجية .. المبعوث البريطاني في بورتسودان.. رسائل وتحولات

تقرير_ محمد جمال قندول

وصل البلاد أمس الأربعاء، الممثل الخاص للمملكة المتحدة بالسودان ريتشارد كراودر، في أول زيارةٍ لمسؤولٍ بريطاني منذ اندلاع الحرب.

وتتزامن رحلة مبعوث الإنجليز، والبلاد تمر بتغييراتٍ كبيرة على المستوى العسكري والتنفيذي، إذ يقترب الجيش مع صباح كل يومٍ من التحرير الكامل للبلاد من ميليشيات آل دقلو الإجرامية، أما تنفيذيًا، بدا واضحًا الجهود المبذولة لترتيب دولاب العلاقات الخارجية للدولة، فضلًا عن مساعي الحكومة لمعالجة المشكلات الاقتصادية.

رحلة ريتشارد رسمت تساؤلاتٍ مهمةٍ ولعل أبرزها إمكانية حدوث تحول في معايير بريطانيا التي تحكم نظرتها للأوضاع في السودان.

مبعوثٌ خاص

وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة، قد التقى الممثل الخاص للمملكة المتحدة بالسودان ريتشارد كراودر أمس بمكتبه.

وقال ممثل المملكة في تصريحاتٍ صحفيةٍ إنّ اللقاء تطرق لموقف المملكة المتحدة وما تقوم به من جهودٍ لمساعدة الشعب السوداني.

وأضاف أنهم استعرضوا الحاجة العاجلة لإنهاء الحرب ووقف الصراع، وضرورة انخراط كافة الأطراف في حوارٍ بما يتضمن تنفيذ (إعلان جدة).

وأعرب ريتشارد عن شكره وتقديره لانعقاد هذا اللقاء، مبينًا أنّ السودان يواجه حاليًا أوضاعًا صعبةً، مشيرًا إلى الحالة الإنسانية التي تواجه ملايين السودانيين، وأضاف: أنّ بلاده لن تنس السودان، كما صرح بذلك وزير الخارجية البريطاني خلال اجتماعات الأمم المتحدة.

وأكد المبعوث البريطاني أنّ بلاده تدين كل الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان التي حدثت في الجزيرة وأماكن أخرى خلال الأيام والأسابيع الماضية.

من جهته، قال مدير إدارة التعاون الدولي بوزارة الخارجية السفير أنس الطيب الجيلاني إنّ اللقاء كان شفافًا وتناول العلاقات المتميزة بين السودان وبريطانيا.

وأكد السفير أنس التزام حكومة السودان بحماية المدنيين جراء الاعتداءات والانتهاكات التي تقوم بها ميليشيا الدعم السريع الإرهابية، لا سيما في دارفور والجزيرة، داعيًا المجتمع الدولي للضغط على هذه الميليشيا حتى توقف هذه الانتهاكات، ويتم وقف تدفق السلاح لها عبر تشاد، باعتبار أنّ ذلك يمثل انتهاكًا صارخًا لمشروع القرار ١٥٩١ الخاص بدارفور، وكذلك لمشروع القرار المتعلق بحصار الفاشر.

مدير إدارة التعاون الدولي ذكر أنّ رئيس المجلس السيادي أكد أهمية العمل مع المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات التي تتنافى مع القيم الإنسانية وحقوق الإنسان، مبينًا كذلك أنّ رئيس مجلس السيادة أوضح خلال اللقاء أنّ هنالك عمليةً سياسيةً شاملة وواسعة سيتم ابتدارها عقب توقف الحرب، ولا مستقبل فيها للميليشيا المتمردة.

ويرى مراقبون أنّ زيارة المبعوث البريطاني للسودان تعد تحولًا جديدًا ليس في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين فحسب، بل حتى في سياق المعايير التي تحكم تقييم المملكة المتحدة للأوضاع في السودان ومسارات معالجتها.

فيما يقول آخرون إنّ ابتدار هذه الزيارة على هذا المستوى الرفيع (مبعوث خاص)، تبرز قناعة المملكة بالجلوس للحكومة السودانية والتعرف على رؤيتها بعيدًا عن (فيتو) الأمم المتحدة ومواقف الرفض والقبول، ونلمس ذلك من خلال ما رشح من تصريحاتٍ أعقبت لقاء المبعوث بالرئيس البرهان، ذلك اللقاء الذي وُصف بالشفافية، وحملت التصريحات ملامح موقف بريطانيا الذي تمخض عنه اللقاء، الذي يبدو أنه أقرب مسافةً لرؤية الحكومة السودانية وموقفها الثابت في التمسك بتنفيذ (اتفاق جدة) كإطار لأية خطواتٍ أو مبادراتٍ من شأنها التأثير في أوضاع البلاد.

التطورات الراهنة

والتقى المبعوث البريطاني نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، ووزير الخارجية السفير علي يوسف.

وفي الأثناء، استقبل عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق مهندس إبراهيم جابر مساعد القائد العام للقوات المسلحة بمكتبه أمس الممثل الخاص للمملكة المتحدة بالسودان ريتشارد كراودر، وقدم جابر تنويرًا حول التطورات الراهنة وموقف حكومة السودان منها.

العلاقات (السودانية البريطانية)

يعود الخبير العسكري والمحلل السياسي اللواء ركن متقاعد د. عبد الحميد مرحوم، إلى الوراء في ما يخص العلاقات (السودانية البريطانية)، مشيرًا لقيام بريطانيا بإعادة النظر في العلاقات مع حكومة الإنقاذ، بعد مقتل 5 بريطانيين بالخرطوم في يناير 1991، وإعادة تقييم تهديد مصالحها بالسودان، بينما حدث فتورٌ في العلاقات بين البلدين.

وفي العام 1995 طرأ تحسنٌ في العلاقات بين البلدين، وتجلى ذلك في زيارة كبير أساقفة (كانتربري) د. كيري للخرطوم، التي زارها مرةً أخرى في العام 2000، حيث توجت بزيارة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في العام 2004.

وأدى ذلك التحسن في العلاقات، للمساعدة الفاعلة لبريطانيا في إبرام اتفاقية نيفاشا 9 يناير 2005.

ويشير د. مرحوم إلى تدهور العلاقات بين البلدين مرةً أخرى بسبب مشكلة دارفور التي نتج عنها دعم بريطانيا لقرارات مجلس الأمن المتمثلة في أخطر قرارين 1593 بتاريخ 31 مارس 2005، القاضي بإحالة ملف دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، والقرار 1706 الخاص بإنشاء وتكوين بعثة اليوناميد تحت البند السابع في 17 ديسمبر 2005.

وقال د. عبد الحميد: إنّ الجميع قد تابع التدخل البريطاني ضد المصالح السودانية في مجلس الأمن، وذلك بدعمها لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي وجماعة (قحت)، باعتبارها حاملة القلم، بينما وقفت سدًا ضد رغبات السودان وحكومته الحالية.

وأبان أنّ المصالح هي من تحكم العلاقات الدولية، فيما ظهر جليًا لبريطانيا فشل مشروعها بالسودان عبر دعم قوات الدعم السريع، فتحركت كدولة لتغيير سياستها تجاه السودان وتحقيق مصالحها بوسائل أخرى.

وأكد مرحوم، أنّ تصريحات الرئيس البرهان في لقاء المبعوث الخاص، دلت على فهم دهاليز السياسة العالمية وكيف تدار الأمور، وأنه ليس هنالك أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون، لكنها مصالح مستدامة، وزاد: لذلك تبدل الموقف البريطاني الذي يشير بوضوح إلى وقف دعمها لقوات الدعم السريع ومن شايعهم وساندهم، وبالتالي حفظ ماء وجه بريطانيا وتوفير خروجٍ كريمٍ لها من هذه المشكلة.

وأضاف قائلًا: أيضًا تأكيد الممثل الخاص للملكة المتحدة على ضرورة العمل معًا لمواجهة التحديات، إشارةٌ واضحة لتغيير السياسة البريطانية تجاه السودان، وذلك بسبب النجاح المذهل للجهود العسكرية على الأرض والجهود الدبلوماسية في ساحات مجلس الأمن الدولي، وتابع: (هذه أيضًا إشاراتٌ على النصر الكبير بإذن الله والرد على من يشككون في ذلك).

Exit mobile version