وثائق مهمة تكشفها رويترز عن تورط الإمارات في حرب السودان

وثائق فحصتها رويترز تشير إلى “86” رحلة جوية على الأقل من الإمارات توجهت إلى مهبط للطائرات في أم جرس في شرق تشاد أن ثلاثة أرباع هذه الطائرات تديرها شركات طيران تتهمها الأمم المتحدة بنقل أسلحة قادمة من الإمارات إلى ليبيا:

وتقول الإمارات، وهي حليف رئيسي للغرب في الشرق الأوسط، إنها ترسل مساعدات إلى السودان عبر تشاد، وليس أسلحة.

ورفضت الإمارات تقريرا للجنة خبراء للأمم المتحدة صدر في يناير كانون الثاني أشار إلى مزاعم “موثوق بها” أفادت بأن الإمارات قدمت إمدادات عسكرية عبر مهبط طائرات في تشاد لقوات الدعم السريع السودانية التي تقاتل الجيش السوداني في صراع أودى بحياة عشرات الآلاف وأدى إلى نزوح الملايين.

ويُظهر مقطع مصور، اُلتقط هذا العام في أم جرس ولم ينشر من قبل وراجعته رويترز، منصتي نقل خشبتين على المدرج محملتين بصناديق ذات لون كاكي وبعضها يحمل علم الإمارات.

وحجبت رويترز التاريخ الدقيق ومصدر اللقطات تجنبا لمخاطر حدوث أعمال انتقامية.

وقال ثلاثة خبراء في الأسلحة، عمل اثنان منهم كمحققين للأمم المتحدة، إن الصناديق فيما يبدو ليس بها على الأرجح مساعدات إنسانية التي عادة ما تكون في صناديق من الورق المقوى ملفوفة بالبلاستيك وتُرص فوق بعضها في كتل عالية على منصات خشبية تستخدم في النقل بسبب وزنها الخفيف. والصناديق في المقطع المصور معدنية فيما يبدو ومكدسة في كتل منخفضة الارتفاع على منصات النقل الخشبية.

وقال أحد الخبراء الذي عمل مفتشا للأسلحة في الأمم المتحدة وطلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية المعلومات إن المحتويات “من المرجح بشدة أنها ذخيرة أو أسلحة، استنادا إلى تصميم ولون الصناديق”. وأضاف أن طول وقلة ارتفاع الصناديق الموجودة على منصة النقل على الجانب الأيمن تشير إلى أن بها أسلحة على الأرجح.

ولم يتسن لرويترز التحقق بشكل مستقل من محتويات الصناديق. وتحجم عن ذكر التاريخ الدقيق للتصوير لحماية المصدر.

وقالت حكومة الإمارات في بيان أرسلته إلى رويترز إنها أرسلت 159 رحلة إغاثة تحمل أكثر من 10 آلاف طن من المساعدات الغذائية والطبية، وإن ذلك استهدف في جانب منه تزويد مستشفى ميداني أنشأته في أم جرس.

وجاء في البيان‭‭‭ ‬‬‬المكتوب بالانجليزية “نرفض بشدة الادعاءات التي بلا أساس ولا سند بشأن توفير أسلحة ومعدات عسكرية لأي من الأطراف المتحاربة منذ بداية الصراع”.

ومنذ انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، تدخلت الإمارات في صراعات امتدت من اليمن إلى ليبيا هدفت في جزء منها لدحر الجماعات الإسلامية. وترى الإمارات في هذه الجماعات، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، تهديدا للاستقرار الداخلي.

ولطالما تمتع الإسلاميون المرتبطون بحكم الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير بنفوذ داخل الجيش السوداني.

ونفى العميد الركن عمر حمدان، أحد كبار ضباط قوات الدعم السريع، تلقي جماعته أي دعم خارجي. وقال للصحفيين في نيروبي في 18 نوفمبر تشرين الثاني إن قوات الدعم السريع تستخدم أسلحة وذخائر أنتجتها مصانع في السودان، دون تحديد المصانع. ولم ترد قوات الدعم السريع لطلبات التعليق على هذا التقرير.

وقال العميد الركن نبيل عبد الله، المتحدث باسم الجيش السوداني، في بيان مكتوب بالعربية أرسله لرويترز إن إمداد قوات الدعم السريع بأسلحة إماراتية “ليست اتهامات وإنما حقائق ملموسة. تدفق الأسلحة والمعدات من قبل الإمارات بهذه الطريقة لميليشيا الدعم السريع المتمردة لم ينقطع منذ اندلاع هذه الحرب، ونحن في القوات المسلحة قدمنا الكثير من الأدلة التي تثبت هذا التورط الإماراتي وتمثلت في أسلحة ومعدات وأدوية اماراتية وعليها شارة هذه الدولة في الكثير من المواقع التي سيطرت عليها قواتنا وكانت تحت أيدي المتمردين”.

* “الخدمات اللوجستية تفوز بالحروب”

بدأت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل نيسان 2023 حين تنافس الفصيلان اللذان استوليا معا على السلطة الكاملة في انقلاب قبل عامين على حماية مصالحهما قبل عملية انتقال إلى حكم مدني.

واكتسحت قوات الدعم السريع معظم أنحاء العاصمة الخرطوم، قبل أن تعزز قبضتها على إقليم دارفور المتاخم لتشاد في الغرب وتقدمها جنوبا.‭ ‬‬‬وتمتد جذور قوات الدعم السريع إلى ميليشيات الجنجويد التي استخدمتها الحكومة السودانية في قمعها الوحشي للتمرد في إقليم دارفور قبل عقدين.

وقال جاستن لينش، المحلل البارز في مرصد الصراع في السودان، الذي راجع تحليل رويترز للرحلات الجوية “الدعم اللوجستي يساعد في كسب الحروب، والإمارات استخدمت شبكة الطائرات هذه لتسهيل وصول الأسلحة باستمرار إلى قوات الدعم السريع”.

وأضاف “الأسلحة المقدمة من الإمارات لقوات الدعم السريع غيرت ميزان القوى في الصراع في السودان، وأطالت أمد الحرب وزادت من أعداد الضحايا المدنيين”.

وقالت الإمارات إن عملها في أم جرس مقتصر على الجانب الإنساني مثل إنشاء مستشفى ميداني هناك حيث عالج الهلال الأحمر الإماراتي أكثر من 18 ألف لاجئ سوداني.

وقال توماسو ديلا لونجا المتحدث باسم الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر لرويترز إن الاتحاد لم يشارك في العمليات في أم جرس ولم يكن على علم بالمستشفى حتى أعلن عنه مسؤولون إماراتيون. وأضاف أن بعثتين لتقصي الحقائق أرسلهما الاتحاد إلى تشاد لفهم الوضع بشكل أفضل لم تتمكنا من الوصول إلى المستشفى الميداني بسبب الوضع الأمني.

وقال وليام سبندلر، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن المفوضية لم ترسل أي لاجئين إلى المستشفى.

وقال أحد أفراد قوات الأمن التشادية الذي أرسل إلى أم جرس هذا العام أنه شهد وصول طائرات تحمل صناديق تشبه تلك التي تستخدمها وحداته لنقل الأسلحة. وقال المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه مخافة الانتقام، إن وحدته شاركت في حراسة الصناديق إلى الحدود مع السودان حيث تسلمها مقاتلو قوات الدعم السريع.

ولم ترد السلطات التشادية على طلب للتعليق على الرحلات والعمليات في أم جرس. ولم يرد الجيش السوداني بعد على طلب للتعليق.

وقال ثلاثة عمال إغاثة على دراية مباشرة بالوضع في شرق تشاد طلبوا عدم نشر أسمائهم بسبب حساسية القضية إن عمليات تسليم المساعدات ليست قريبة بحال من الحجم الذي تقول الإمارات إنها أرسلته.

وقال مصدر مطلع على اجتماعات بين مندوبين من الإمارات ومسؤولين أمريكيين بارزين في واشنطن هذا الخريف إن مندوبي الإمارات تراجعوا عن إنكار تقديم دعم لقوات الدعم السريع بعد أن أطلعوا في الاجتماعات على معلومات استخباراتية جمعتها واشنطن.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “نحن منهمكون في حوار على مستوى رفيع مع شركاء في المنطقة للتأكيد على المخاطر المرتبطة بدعم المتحاربين، وهو الأمر الذي قد يطيل أمد الصراع”. ورفض الإفصاح عن مزيد من التعليقات بشأن الاجتماعات.

ونشرت صحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق تقريرا ذكر أن الإمارات استخدمت المساعدات الإنسانية كغطاء لشحن أسلحة وذخائر وطائرات مسيرة إلى قوات الدعم السريع عبر مهبط الطائرات في أم جرس، واستندت الصحيفة في تقريرها على صور للأقمار الاصطناعية ومسؤولين حاليين وسابقين من الولايات المتحدة وأوروبا ودول أفريقية.

* أسلحة إلى ليبيا

ورصدت رويترز 170 رحلة إجمالا باستخدام صور الأقمار الاصطناعية المستقاة من شركات بلانيت وماكسار وبلاك سكاي لطائرات مركزها الإمارات واتجهت إلى أم جرس منذ بداية الحرب.

وتمكنت رويترز من التحقق، من أن 86 رحلة على الأقل، من بين تلك الرحلات، انطلقت من مطارات الإمارات، منها العين وأبوظبي ورأس الخيمة. ولم تتمكن رويترز من تأكيد نقطة انطلاق الرحلات الأخرى بسبب فجوات في تتبع الرحلات.

وتوصل فحص لرويترز للرحلات الجوية البالغ عددها 170 رحلة التي توجهت إلى شرق تشاد إلى أن نحو نصفها كانت تديره أربع شركات طيران اتهمتها لجنة خبراء من الأمم المتحدة بنقل دعم عسكري إماراتي إلى القائد العسكري خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) في عامي 2019 و2020، وفقا لبيانات تتبع الرحلات الجوية.

والشركات هي زيتافيا وفلاي سكاي آيرلاينز ومقرهما أوكرانيا، وفلاي سكاي قرغيز وسابسان آيرلاينز ومقرهما قرغيزستان.

ولم تظهر تقارير من قبل عن تورط هذه الشركات الأربع، ولم تتمكن رويترز من تحديد ما كانت تحمله الطائرات.

وجاء في تقرير صدر في أكتوبر تشرين الأول عن مرصد الصراع في السودان الذي تموله وزارة الخارجية الأمريكية أن شركة طيران أخرى مشاركة في النقل الجوي إلى تشاد، وهي شركة نيو واي كارجو ومقرها قرغيزستان، تزود قوات الدعم السريع بدعم من الإمارات عبر تشاد.

ولم ترد شركات الطيران ومتحدث باسم حفتر الذي يسيطر على شرق ليبيا على طلبات التعليق.

وبعد النتائج التي توصلت إليها لجنة الأمم المتحدة في عام 2021، ألغت السلطات في أوكرانيا وقازاخستان تسجيل عدد من الطائرات، وجرى تسجيلها في قرغيزستان.

ولم تعلق شركتا زيتافيا وسابسان على نتائج اللجنة. وقالت شركة فلاي سكاي للطيران للجنة الأمم المتحدة إن الشحنة التي نقلتها “لم تكن شحنة عسكرية تخضع لعقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.

ووفق تحليل رويترز لبيانات من موقع فلايت رادار24، فإن كثيرا من الرحلات الجوية البالغ عددها 170 رحلة توقفت لفترة وجيزة في كينيا في مطارات في نيروبي ومومباسا، لكنها توقفت أيضا في مطار عنتيبي في أوغندا، وكيجالي في رواندا، وبوصاصو في ولاية بونتلاند شبه المستقلة في الصومال.

وفي أرض الصومال، الإقليم الصومالي الانفصالي، قال مسؤول كبير لرويترز إن الرحلات الجوية القادمة من الإمارات التي تتوقف في بربرة كانت تحمل معدات عسكرية، وفقا لمعلومات تضمنت طلبات الهبوط المرسلة إلى سلطات المطار. وطلب المسؤول عدم نشر اسمه بسبب حساسية المعلومات. ولم تتمكن رويترز من مراجعة طلبات الهبوط أو التأكد من المعلومات بشكل مستقل.

وقال ستة مسؤولين محليين ودبلوماسيون إن الإمارات أقامت علاقات مع أرض الصومال بدأت في عام 2017 ببناء قاعدة عسكرية في بربرة تحولت فيما بعد إلى مطار عسكري.

ولم ترد هيئة مطارات كينيا ووزارة الخارجية وسلطات المطارات في رواندا وأوغندا وبونتلاند وأرض الصومال على طلبات التعليق.

وقال تسعة مسؤولين من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأفريقي لرويترز إنهم يراقبون عن كثب الدعم العسكري الذي يتدفق إلى قوات الدعم السريع من الإمارات عبر تشاد، على الرغم من أنهم لم يوجهوا أي اتهامات علنية.

ولم يرد الاتحاد الأفريقي على طلب للتعليق. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية إن المملكة المتحدة تواصل السعي بكل الطرق الدبلوماسية لإنهاء العنف.

Exit mobile version