▪️مرت العلاقات الخارجية السودانية خلال السنوات الماضية بتقلبات كبيرة انعكست سلباً على أدائها. في 17 يونيو 2022، كتبت مقالاً بعنوان (عربة السياسة الخارجية وسُواقة الخلا) توقعت فيه بروز مشكلات تهدد السيادة الوطنية نتيجة التدخلات الخارجية المتزايدة واستمرار الفوضى السياسية الداخلية. أشرت حينها إلى انسداد الأفق أمام اللجنة الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، الإيقاد)، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تدخلات تمس سيادة السودان مباشرة.
▪️اليوم، وبعد أكثر من عام، نجد أنفسنا في وضع أكثر تعقيداً، خاصةً مع اندلاع الحرب في أبريل 2023. ومع تعيين السفير الدكتور “علي يوسف أحمد الشريف” وزيراً للخارجية، يُطرح السؤال: هل يمكن تجاوز هذه التحديات واستعادة الدور الفاعل لوزارة الخارجية؟
انتقادات تواجه الوزير الجديد
▪️قوبل تعيين الدكتور علي يوسف بانتقادات ركزت على الأوضاع المتدهورة بالوزارة بدلاً من استهداف شخصه. تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، بأن “علاقات السودان الخارجية تُدار باستراتيجية رزق اليوم باليوم”، إلى جانب تعليق الفريق أول ياسر العطا بأن الوزارة لا تزال “مؤبوة بالمعارضة والجنجويد يتحكمون في مفاصلها”, تعكس حجم التحديات الهيكلية والإدارية التي تنتظر الوزير الجديد.
▪️هذه الانتقادات ليست مجرد توصيف للواقع، بل تؤكد أن تعافي الوزارة يتطلب إصلاحات جذرية وشجاعة سياسية تتجاوز الأزمات المتراكمة.
ما الذي يمكن تعلمه من أخطاء الماضي؟
▪️في مقالي السابق، تناولت انسداد المبادرات الدولية والإقليمية وتزايد التدخلات الخارجية، وحذرت من أن استمرار الأزمة السياسية الداخلية وتجاهل الإصلاحات سيمنح القوى الخارجية فرصة استغلال الفراغ لصالح أجنداتها.
▪️اليوم، أصبحت هذه المخاوف واقعاً، حيث أدت الحرب إلى تفاقم الأزمات الداخلية وإضعاف قدرة السودان على إدارة ملفاته الخارجية. ومع ذلك، يمتلك الوزير الجديد خبرة طويلة في السلك الدبلوماسي تتيح له فرصة فريدة لمعالجة هذا الواقع، إذا توافرت الإرادة والدعم اللازمين.
الأولوية لدول الجوار والقرن الأفريقي
▪️في ظل التحديات الراهنة، تمثل العلاقات مع دول الجوار والقرن الأفريقي أولوية لا غنى عنها لتعزيز الأمن القومي السوداني. الحدود مع ليبيا، في ظل وجود حكومتين متنافستين، باتت مصدر تهديد مباشر للسودان، خاصة مع غياب التنسيق الفاعل لضبط الأمن في هذه المنطقة الحيوية. أما إريتريا، ورغم أهميتها الاستراتيجية كدولة صديقة، لم تنل الاهتمام الذي تستحقه في السنوات الأخيرة، مما يستدعي إعادة بناء العلاقات معها لمواجهة تحديات مشتركة كأمن الحدود والهجرة غير الشرعية.
▪️على السودان أن يواكب التحركات الإقليمية المتسارعة التي تقودها بعض دول المنطقة لحماية مصالحها، عبر تفعيل الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية، وتعزيز دوره في منصات التعاون الإقليمي مثل الإيقاد والاتحاد الأفريقي.
*خطوات لدعم وزارة الخارجية*
إعادة بناء علاقات السودان الخارجية ليست مهمة الوزير وحده ، بل تتطلب دعماً داخلياً يضمن للوزارة أداء دورها بفاعلية، وذلك من خلال:
▪️تطوير الوزارة وتأهيل كوادرها: إصلاح البنية التحتية، تحسين بيئة العمل، وتأهيل الكوادر الدبلوماسية لسد الفجوات الفنية والتنظيمية.
▪️تمكين سياسي قوي: تقديم دعم واضح من القيادة العليا، مع سياسات تضمن التنسيق بين الخارجية والوزارات ذات الصلة.
▪️إعلام فعّال لصياغة خطاب إعلامي يعكس رؤية السودان الخارجية، يعزز ثقة الشعب، ويبرز مكانة السودان في محيطه الإقليمي.
▪️بناء شراكات مؤثرة لتقوية العلاقات مع دول الجوار والدول الفاعلة دولياً لحماية مصالح السودان وتقليل التدخلات الخارجية.
▪️إطلاق مبادرات إقليمية مبتكرة باستثمار ارث ماضيها ، والاستفادة من خبرة الوزير للإسهام في استقرار المنطقة وتضع السودان في موقع الشريك الأساسي لحل أزماتها.
*هل يستطيع الوزير الجديد إعادة ترتيب البيت الدبلوماسي؟*
▪️يمتلك السفير الدكتور علي يوسف أحمد الشريف خبرة متميزة تجمع بين الأكاديمية والدبلوماسية في محطات مهمة مثل الصين والاتحاد الأوروبي. نجاحه يعتمد على دعم القيادة وتهيئة بيئة عمل مناسبة تمكن الوزارة من استعادة دورها المؤثر.
▪️ *خلاصة القول ومنتهاه*
▪️أمام السودان فرصة حقيقية لإعادة ترتيب علاقاته الخارجية واستعادة دوره الإقليمي والدولي. الدكتور علي يوسف هو خيار مناسب لهذه المرحلة الحرجة، لكن نجاحه يعتمد على دعم القيادة، الشعب، والمؤسسات.
▪️بدلاً من التركيز على الانتقادات، يجب تمكين الوزير من قيادة الوزارة وفق رؤية استراتيجية شاملة تعطي الأولوية لدول الجوار والقرن الأفريقي، المفتاح للحفاظ على الأمن القومي السوداني وتعزيز استقرار المنطقة.