على تمام الوطن – اميمة عبد الله – ننعي إليك الجزيرة يا حُسين خوجلي

كتب أحمد شوقي يرثي أباه:

أنا مَن مات

ومَن ماتَ أنا

لقَى الموت كِلانا مَرتين

نحن كنا مهجةً في بَدَنٍ

ثم صِرنا مُهجة في بدنَين

يا أبي والموت كاس مُرة

لا تذوق النفس منها مرتين

ننعي إليك يا أستاذ ديارك وأهلك، ننعي إليكَ أياماً مضت ولن تعود، ننعي إليك دماءً سُفكت وبيوتاً هُتك سترها ورجالاً لم يجدوا من يستر جثتهم وأطفالاً ماتوا بالجوع ورصاصاً حصد الشباب في ظهورهم، ننعي إليك شمساً غابت وقرى أصبحت فارغةً من أهلها وأرضاً مصونة نُجسّت ونفوساً شقها الوجع فأُزهقت، وآهاتٌ كُتمت خشية أن يسمعها الأنجاس الفُجار الغزاة..

كانت روح أحمد شوقي وأبوه واحدة مقسمة في بدنين، لقد تقاسماها، والموت لا يأتي مرتين، وأنت تقاسمت روحَك ديارُك ففطرها الغزاة، والموت كما قال أحمد شوقي لا ينال من النفس مرتين، هي مرةً واحدة فقط يا أستاذ..

سقطت حواضر المدن، وانتهت حِقب وأنت خير العارفين بالتاريخ الإسلامي، بغداد على يد المغول استباحوها و أحرقوا بيوتها و قتلوا كل مَن صادفهم في حادثة من أبشع وقائع التاريخ، دمروا معالم الحضارة و أحرقوا الكتب، كان المغول يكرهون العلم والعلماء ولا يحتملون قيمة الشرف، حال المليشيات في كل زمان، جعلوا صحون الجوامع مرابط لخيولهم تماماً كما دنس الجنجويد حرمات جوامعنا، أرايت كل الغزاة يتشابهون؟

إنطفأت المدن الإسلامية في حرب الاسترداد وسقطت غرناطة آخر جواهر الأندلس، والبلدان يذهب ريحها وتضعف قوتها ويسهل الإنقضاض عليها بسبب النزاعات والخلافات الداخلية، ومَن يعتبر ومن يتدبر وعجلة الزمان تدور!

في كل حقبةٍ نكبة، وفي كل زمانٍ خيبة، في كل مرحلة تاريخية صفحات موغلة في السواد، ومع كل مجدٍ إنتكاسة وحسرة.

والشعوب تسقط بالقهر والظلم والهزيمة والطرد من الديار، وعلى يد من سقطت الجزيرة؟

على يد الغزاة الأنجاس الجنجويد الذين لا يعرفون الشرف ولا قيمة الحياة، لا يعرفون الاستقرار ولا الأرض، حياتهم ترحال وحروبهم فزع ونَفَسهم الكِير ووجوهم الشياطين، وعهدهم الخيانة، لقد وجدت قوى الشر ضالتها عندهم ، حاولت الدول المتآمرة على السودان تقسيمه بإيدي الجنجويد، فبئس الطموح و الهدف!

اجتاحوا بلادك التي تحب يا أستاذ، فسقطت الجزيرة في يدهم ضحى يوم أسود، اُستبيحت القرى كما تُستباح العذارى في وضح النكسة، أكثر من مائة قرية آمنة كانت ومطمئنة لحالها، تتوسد القناعة والكفاف والنيل والحمد والرضى، تخرج من الفجر بنفّس الرحمن تتوكل على حواشاتها وأرضها، قرى كانت في حالها، تعيش حدَّ كفافها ، لا تبحث عن القصور ولا خزائن الذهب..

الآن الأرواح في الطرقات تُدهس، والنساء يتمنين الغرق في النيل على أن ينال منهن الغزاة والمرتزقة، والبيوت تُنهب والشيخ يُهان والسياط تلهب ظهورهم الطاهرة على مرأى من أولادهم وأحفادهم، والفتيات في الأسواق الأفريقية يُعرضن بالثمن الرخيص ومَن لم يمت برصاص الجنجويد مات بالقهر ولفداحة الإنتهاك وطأطأة رأس الشرف.

أي حقدٍ في قلوبهم وأي غلٍ يغلي!

سيؤخذون لا محالةً قريباً، بأيدٍ لن يكون لهم بها قِبل، عندما تشرق شمسها حينها قطعا سنرى النور ينعكس في قلبك.

ونحن في حدادنا نكسنا العلم في دواخلنا لحين الإسترداد ولا أظنه يطول.

أميمة عبد الله

Exit mobile version