مع مضي ذكرى اكتوبر 1964م وحلول ذكرى تغيير نوفمبر 1958 تدور في اذهان العديد من المهتمين تساؤلات كثيرة عن ثورة اكتوبر 1964 التي اطاحت بنظام عبود عبر مظاهرات لم تستمر طويلاً قادتها جبهة الهيئات برئاسة الحزب الشيوعي وجبهة الأحزاب برئاسة حزب الأمة وذاك كان أول تغيير لنظام حكم في أفريقيا والعالم العربي عبر المظاهرات بعد حصول بعض دولها على الاستقلال.
فبعد الاستقلال استمرت الأحزاب في التناحر والتنازع فيما بينها مثل حالها اليوم والذي وصفه الشاعر الكبير محمد سعيد العباسي في قصيدته الشهيرة يوم التعليم ( ولو درى القوم بالسودان أين هم من الشعوب قضوا حزناً واشفاقاً ، جهل وفقر وأحزاب تعيث به هدت قوى الصبر إرعاداً وإبراقاً) فبعد أقل من ثلاث سنوات من الاستقلال وصلت الأحزاب حداً من التشاكس جعل رئيس الوزراء عبد الله خليل يهد المعبد على نفسه والآخرين مسلماً قيادة البلاد للقوات المسلحة برئاسة الفريق إبراهيم عبود في نوفمبر عام 1958 وأول ما قام به عبود هو حل الأحزاب السياسية وتعليق الدستور مستنداً إلى التأييد الذي ناله من زعيمي الأنصار والختمية حينها .
ما خيب عبود ظن رفيق السلاح السابق عبد الله خليل فعمل على استقرار البلاد لست سنوات هي بحساب الدورات الانتخابية دورة واحدة أو دورة ونصف كما هو متوسط ما متعارف عليه في الانظمة الانتخابية فتعالوا نتعرف على ما تركه عبود أولا ثم نواصل الهتاف باكتوبر الأخضر وكل الهتافات التي نجيد ترديدها ولا نردد ذكر انجازات الأنظمة لأن بعض الشعب يعجبه فقط الهتاف الموزون المقفى بغض النظر عن معانية، يجدر بنا مبتدأ أن نعدد انجازات عبود ثم نتذكر سوءاته.
لقد شهدت البلاد في عهد عبود انجازات تنموية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والخدمية يمكن ان نعد منها في مجال الزراعة والري خزان الروصيرص، انشاء خزان خشم القربة، تشييد مصنع الجنيد، انشاء مصنع سكر خشم القربة وقيام مشروع حلفا الجديدة الزراعي بمساحة (400) الف فدان، مصنع سكر ملوط، مشروع امتداد المناقل الذي ضاعف الرقعة الزراعية لمشروع الجزيرة، تطوير الزراعة الآلية بمحلية الدالي والمزموم بولاية سنار لتصبح المنطقة الثانية في الانتاج الزراعي المطري بعد ولاية القضارف وبمساحة (500) الف فدان حيث حددت مساحة المشروع الزراعي بما لا يتجاوز (1000) فدان، على ان لا تقل نسبة أشجار الهشاب (10)% من جملة ارض المشروع .وقد تم حصر سلطة منح التصديقات لمشاريع الزراعة الآلية لدى السلطات الاتحادية بالعاصمة الخرطوم.
اما في مجال البنيات التحتية فقد تم تشييد كبري شمبات وانشاء اجنحة على كبري النيل الابيض الرابط بين الخرطوم وام درمان، وكانت القفزة الكبرى في مشروع الوحدة الوطنية والالغاء الفعلي لسياسة المناطق المقفولة بتوصيل خط السكة الحديد الى واو بجنوب السودان ليصبح التواصل ميسوراً بين شطري البلاد وقد تم مده أيضاً إلى مدينة نيالا بدار فور وعبر هذا كل المناطق بين نيالا والابيض. كما تم تشييد الطريق البري من الخرطوم حتى الحصاحيصا ليكمله الرئيس الراحل جعفر نميري حتى بورتسودان.وفي مجال النقل الجوي تم انشاء الخطوط الجوية السودانية كاولى شركات الطيران في القارة الافريقية بالاضافة الى إنشاء الخطوط البحرية السودانية التي اصبحت تجوب البحار والمحيطات حاملة صادر ووارد الخيرات وفي مجال الطاقة الكهربائية تم انشاء محطة كهرباء بري الحرارية وإنشاء كهرباء سنار .
وفي مجالات اقتصادية أخرى تم افتتاح مصنع لصك العملة وانشاء صوامع الغلال في القضارف وبورتسودان ومصانع لتعليب الفاكهة والخضر في كريمة ومريدي ومصنع النسيج السوداني في بحري ومصنع البان بابنوسة ومصنع الكرتون في كسلا.في المجال الاعلامي تم في عهده انشاء التلفزيون القومي،كما يشهد له توسعة الاهتمام بتعزيز الهوية الوطنية التي استلبها الاستعمار من خلال انشاء العديد من المعاهد الدينية في البلاد شمالها وجنوبها ، إذ لم تخل منها كل المدن الكبرى تقريباً ، هذا بالإضافة الى العديد من الانجازات التي قد لا تتسع هذه المقالات لذكرها.وسنعود إليها باذن الله