▪️بعد مسيرة دبلوماسية امتدت لأكثر من أربعة عقود، عُرف خلالها بالسحر الدبلوماسي والكفاءة العالية في إدارة ملفات السودان الخارجية في أحلك الظروف. في التسعينيات، كان السفير الدكتور علي يوسف الشريف يمثل رمزاً للصمود في مواجهة الحصار الاقتصادي والسياسي والقطيعة الدولية، حيث لعب دوراً محورياً في كسر العزلة وفتح بوابات النفط، ونسج خيوط تفاهمات مع محاور كانت على النقيض التام من الموقف السوداني.
▪️عاد الشريف إلى منزله مستشاراً ومرجعية لأبنائه وأحفاده، لكن في إحدى الليالي، رن هاتفه بمكالمة مفصلية: القيادة اختارته لتولي حقيبة الخارجية في أكثر الأوقات صعوبة. لم يتردد، فكان رده الحاسم:
“ولو بندقي في الفاشر… بلّغ عني القبول والاستعداد.”
العودة إلى الوزارة في زمن الانهيار
▪️حين تسلم الوزير مهامه في نوفمبر 2024م، كانت وزارة الخارجية بلا مقر، بلا ميزانية، وموظفوها إما في الشتات أو في ظروف معيشية ومهنية قاسية.
▪️الوزارة التي كانت تمثل وجه الدولة في الخارج باتت بلا عنوان. ورغم هذا الواقع المنهك، استطاع الوزير بتراكم خبراته ومهاراته الإدارية والدبلوماسية أن يعيد الروح للمؤسسة، مستخدماً الإمكانيات المحدودة والمتآكلة لتحقيق حضور نوعي وملموس في مسرح العلاقات الدولية.
منجزات حقيقية في قلب العاصفة
▪️نجح الوزير في تنشيط ملفات حيوية، أبرزها العلاقة الاستراتيجية مع جمهورية مصر العربية التي تحولت إلى الحليف الأول والداعم الأقوى للسودان في المحافل الدولية، وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن الإفريقي، والجامعة العربية، ومجلس حقوق الإنسان، ما أدى إلى خلق جدار صد إقليمي أفشل محاولات اختطاف القرار السوداني.
▪️كما أعاد الحيوية لإعلام الوزارة، حيث ضخ فيها روحه كمشرف مباشر، وأعاد بناء مكتب الناطق الرسمي، فشهدت الوزارة صدور بيانات سياسية واضحة، حازمة، أعادت هيبة الدولة والوزارة، بعد سنوات من اللغة الرمادية والتصريحات الباهتة التي لم تعبّر عن الموقف الوطني بجرأة ووضوح.
▪️في سياق متصل، أظهر الوزير التزاماً مهنياً بإعادة الاعتبار للكفاءات والخبرات الوطنية، فبادر بتفعيل أحكام القضاء التي قضت بإرجاع عدد من السفراء المفصولين، وذلّل التعقيدات الإدارية والمالية التي حالت دون عودتهم، بل وزعهم على مواقع ومهام داخلية وخارجية بسرعة وحكمة.
▪️وعلى الرغم من الظروف القاهرة، تم إحياء وتفعيل عدد من البعثات الخارجية، واستؤنف النشاط السياسي والدبلوماسي في عواصم ذات تأثير محوري على الملفات السودانية.
لغة الأرقام لا تكذب
▪️ما بين نوفمبر 2024 ومارس 2025، شارك الوزير وفريقه في أكثر من عشرين محفل إقليمي ودولي، وأعاد تنشيط أكثر من خمسة عشر ملفاً خارجياً كان مجمداً بسبب الحرب، كما تم إصدار عدد من القرارات الهيكلية والإدارية التي أعادت ضبط إيقاع الأداء داخل الوزارة بعد مرحلة طويلة من الجمود.
البيانات والخطابات… لغة الدولة لا الرماد
▪️في هذه المرحلة الدقيقة، صدرت عن الوزارة بيانات رسمية بصياغة سياسية دقيقة وبلغة سيادية، أبرزها البيان الذي أدان التدخلات الخارجية في الشأن السوداني، وطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته تجاه سيادة السودان. كما صدر بيانٌ فاضحٌ للدعم الإقليمي لبعض القوى المتمردة، أشار فيه إلى المخاطر التي تُهدد الاستقرار الإقليمي والدولي، مع تقديم سرد قانوني ومنطقي لمواقف السودان.
▪️وفي المقابل، عبّرت الوزارة عن الامتنان للدول الصديقة، وفي مقدمتها مصر والسعودية والجزائر، التي ساندت السودان في أشرس معاركه السياسية والدبلوماسية. هذه الخطابات والبيانات عززت صورة الدولة السودانية وأعادت الثقة الدولية بموقفها الرسمي، في مقابل حملات التشويش المنظمة التي تستهدف تشويه الحقائق.
▪️ومن بين أبرز الرسائل التي صدرت، خطاب موجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، أكّد فيه الوزير ضرورة التزام المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه حفظ سيادة السودان، وتحقيق الاستقرار الإقليمي والعالمي، محذراً من العواقب الإنسانية والأمنية في حال استمرار الموقف الدولي السلبي.
▪️كما وجّه خطاباً واضحاً إلى مفوضية الاتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن الإفريقي، أكد فيه على التزام السودان بخيارات السلام وحماية الاستقرار الإقليمي، مستعرضاً جهود الحكومة ومبادراتها المحلية والإقليمية. في المقابل، عبّرت الوزارة بلغة الامتنان عن تقديرها للدول الصديقة مثل مصر والسعودية والجزائر، التي ساندت السودان ومؤسساته الشرعية، ما أسهم في ترسيخ صورة إيجابية على المسرح الدولي، في وقت كانت فيه بعض الأطراف الإقليمية تمارس أدواراً سلبية تعرقل الاستقرار.
خلاصة القول ومنتهاه
▪️من خلال متابعتي الدقيقة لأحداث العلاقات الخارجية السودانية وقضايا القرن الإفريقي، أجد أن الأرقام والحصائيات الواردة في هذا التقرير ليست مجرد أرقام عابرة، بل هي تجسيد لواقع دبلوماسي لم يُتجزأ. إنني حرصت على أن تكون هذه البيانات كاملة، إن لم تزد، لا تنقص، لأنها مستمدة من أرشيف متابعاتي الشخصية وتحليلاتي العميقة لقضايا السودان ودول الجوار، حيث كان السودان ولا يزال محور تطورات الأوضاع في المنطقة ودولة الحوار.
هذا التجميع الواقعي يُعد بمثابة شهادة على جدية الأداء السياسي والدبلوماسي في مواجهة التحديات، ويؤكد على أن القيادة الحقيقية تُقاس بمصداقية الإنجازات ومدى قدرتها على تحويل الأزمات إلى فرص للتقدم والاستقرار.