يتحرك بعضهم في المشهد السوداني بلا رقيب أو حسيب،،
جدل حول إزالة سفير لإعلامي شهير من مجموعة على منصة واتساب..
فوضى وارتباك الفترة الانتقالية ساهم في تنامي تغلغل السفراء الأجانب في المجتمع السوداني..
وزير الحكم الاتحادي: أنزلنا توجيهات صارمة للتعامل مع السفراء الأجانب..
مصدر بالخارجية: متى وجد السفراء الأجانب الأبواب مفتوحة، لن يسعوا إلى إغلاقها..
مطالبات بفرض الضوابط اللازمة لتعامل السفراء الأجانب وفق مقتضيات الوظيفة الدبلوماسية..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
جدلٌ واسع أثارته حادثة إزالة سفير دولة المملكة العربية السعودية المقيم في مدينة بورتسودان، إعلامياً سودانياً ذائع الصيت من مجموعة على منصة واتساب يشرف عليها السفير ( آدمن) وذلك بحجة نشر أخبار عن انتصارات الجيش في منطقة المقرن وقلب الخرطوم، والتقدم على حساب ميليشيا الدعم السريع، يذكر أن المجموعة المعنية على منصة واتساب تضم صحفيين وإعلاميين ونخب سياسية سودانية، وأسالت الحادثة الكثير من الحبر وطرحت عديد الأسئلة والاستفهامات على طبيعة هذه المجموعة الموجودة على منصة واتساب؟ والموضوعات التي يتم تداولها؟ وكيفية قبول إعلاميين وصحفيين وسياسيين أن يكونوا أعضاءً في مجموعة واتساب يديرها أجنبي؟، وذهب البعض أبعد من ذلك متخوفاً من أن تكون هذه المجموعة منصة للتخابر.
علاقات ونشاط واسع:
والواقع أن سفير المملكة العربية السعودية بالسودان علي بن حسن جعفر يتمتع بعلاقات واسعة في المجتمع السوداني، وتربطه صلات مع ألوان طيف واسع من النخب السياسية والإعلامية والاجتماعية والأعيان ورجال المال والأعمال، وهي معطيات دفعت بالسفير ليتمدد في المشهد، مشاركاً المجتمع السوداني أفراحه وأتراحه، وللرجل جهود مبذولة في المشهد السياسي السوداني إبان المرحلة الانتقالية التي طفحت فيها روائح نتنة من الخلافات، والاحتقان الحاد، وحالات الاستقطاب والاستقطاب المضاد، ويعتبر السفير السعودي بالسودان علي بن حسن جعفر، واحداً من ركائز الآلية الرباعية الدولية المكونة من السعودية، والإمارات، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، والتي هندست مشروع الاتفاق الإطاري الذي كان سبباً مباشراً في تحريك وميض نار الحرب من تحت رماد حالات التشاكس والتناحر، والتي قادت بالفعل إلى اشتعال الحرب في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م، وأوردت البلاد مورد الهلاك.
توجيهات صارمة:
ولا أدري من باب الصدفة، أم أن الأمر مقصود لشيء في نفس يعقوب، أن تتزامن حادثة إزالة السفير السعودي لإعلامي ذائع الصيت من مجموعة واتساب، مع نشر الزميل الصحفي الأستاذ عبد الماجد عبد الحميد مدونة على صفحته على منصة فيسبوك بشأن توجيهات صارمة صدرت من مجلس الوزراء السوداني للوزراء الاتحاديين، وكبار الموظفين بالدولة ورؤساء الاتحادات والنقابات المهنية، بعدم التواصل مع السفراء الأجانب المعتمدين لدى السودان، ومع المنظمات والنقابات الأجنبية والسودانية المقيمة خارج البلاد، إلا بعد إخطار وأخذ موافقة مسبقة من وزارة الخارجية السودانية، وشمل ذات التوجيه القيادات والإدارات الأهلية بالسودان بعدم التواصل مع أي سفير أو رئيس أو مدير منظمة أجنبية إلا بعد أخذ موافقة مسبقة من وزير ديوان الحكم الاتحادي.
ليست جديدة:
الكرامة وملاحقة منها للأحداث وتمليك القارئ الحقيقة، تواصلت مع وزير ديوان الحكم الاتحادي الأستاذ محمد كرتكيلا صالح، وسألته عن أبعاد هذه التوجيهات الصارمة والصادرة من مجلس الوزراء؟ فأكد الوزير أن هذه التوجيهات ليست بجديدة، وقد صدرت قبل فترة من مجلس الوزراء، وقال الوزير إنه قد أنزل هذه التوجيهات على ولاة الولايات، والجهات المعنية بوزارة ديوان الحكم الاتحادي،، انتهى حديث الوزير محمد كرتكيلا صالح عن التوجيهات التي أصدرها مجلس الوزراء في وقت سابق والتي كما يبدو أن مجلس الوزراء قصد بها فرض هيبة الدولة، وتقييد عجلة الحراك الواسع الذي ظل يُحدثه بعض السفراء الأجانب المعتمدين لدى السودان، بتمددهم في المجتمع دون حسيب أو رقيب، وتعاملهم خارج الأطر الدبلوماسية مع أطياف واسعة من المجتمع السوداني، مما يمثل خرقاً واضحاً للنظم الدبلوماسية المتعارف عليها، قبل أن يكون تهديداً مباشراً للأمن القومي.
قواعد البرتوكول الحكومي:
ويتفق مصدر رفيع بوزارة الخارجية، مع حديث وزير ديوان الحكم الاتحادي محمد كرتكيلا صالح، مؤكداً أن التوجيهات الصادرة من مجلس الوزراء، قديمة من عهد الإنقاذ وربما قبل ذلك، باعتبار أنها قاعدة من قواعد البرتوكول الحكومي، وتدخل ضمن اختصاصات الوزارات ومهام العلاقات مع البعثات الدبلوماسية، وقال المصدر الذي فضّل حجب اسمه، إنه حتى في حالة الدعوات إلى احتفالات السفارات بيومها الوطني، فإن مجلس الوزراء يسمي وزيراً بعينه، بتوصية من وزارة الخارجية، ليمثل الحكومة في الاحتفال المعني كضيف شرف، ولا يُتوقع من بقية الوزراء حضور الاحتفال المعني، منوهاً إلى أنه في حالة رغبة سفير أجنبي في مقابلة أي مسؤول حكومي، فلابد أن يقدم الطلب عبر وزارة الخارجية، ويشترط أن توصي الوزارة بالموافقة ليتم اللقاء، وبحضور مسؤول الملف المعني في وزارة الخارجية، مبيناً أن تجاوز هذه القواعد ظلت مشكلة قديمة في مختلف العهود كجزء من ثقافتنا الاجتماعية حول إكرام الضيف، وحسن معاملته وإظهار الوجه المشرق للمجتمع السوداني في الجود والشهامة والاحتفاء بزوّار البلاد، وقال المصدر إن السفراء الأجانب متى ما وجدوا الأبواب مفتوحة والقنوات سالكة، قطعاً لن يسعوا إلى إغلاقها.
تغلغل واختراقات:
ويتعرض المشهد السوداني منذ فترة لاختراقات كبيرة من قبل بعض سفراء الدول المعتمدين لدى السودان، الذين تغلغلوا في مفاصل المجتمع، وازدادت هذه الاختراقات كيل بعير خلال السنوات الأولى من عمر الفترة الانتقالية والتي اتسمت بالفوضى والارتباك، حيث تُرك الحبل على الغارب لهؤلاء السفراء الأجانب الذين تعاطوا مع الواقع السوداني ( المتساهل ) والمفتوح على مصراعيه، مستغلين الكثير من القيم والمبادئ التي يتميز بها الشعب السوداني والتي تضرب عميقاً في جذور الرحابة، والسماحة، والجود والكرم، فرأينا عدداً من السفراء الأجانب يتحركون في ميدان الاعتصام من أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في بواكير ثورة ديسمبر، ورأينا سفراء يخاطبون احتفالات دينية ومناسبات خاصة بالطرق الصوفية، ويشهدون مراسم اجتماعية بدعوات من رجالات الإدارة الأهلية وأعيان المجتمع في العاصمة الخرطوم وفي بعض الولايات، وهي قطعاً تجمعات استغلها الكثير من هؤلاء السفراء لصالح أجندة خاصة ليس من بينها مهامهم الدبلوماسية التي اُعتمدوا بموجبها ليكونوا سفراء لدولهم لدى السودان.
الكارثة الكبرى:
بيد أن الكارثة الأكبر التي اهتزّ لها عرش استقرار المشهد السياسي السوداني، تمثلت في استضافة بعض سفراء الدول الأجنبية المعتمدين للسودان، لأطياف من المجتمع السوداني والنخب السياسية في منازلهم ومقر إقاماتهم للتداول في مختلف الشؤون والقضايا، وهي فرصة للاختلاء ببعض ضعفاء النفوس لتنفيذ أجندات في مقابل تقديم دعم مالي ولوجستي لبعض الأحزاب والقوى السياسية، حتى أن هنالك بعضاً من السياسيين قد ارتبط اسمهم بالسفارات وقد ارتضوا ذلك برحابة صدر ودون حياء، ولعل الأدهى والأمر أن بعضاً من هؤلاء السياسيين والناشطين ظلوا يتحدثون علناً عن تلقيهم أموالاً من جيوب وخزائن بعض السفارات دعماً منها لتنفيذ أنشطة أحزابهم ومشروعاتها السياسية، وقطعاً من يقدم الدعم والإسناد، لن يجد صعوبات في تمرير أجندته، وتنفيذ مخططاته.
حمدوك والشرُّ المستطير:
وإذا كان ربُّ البيت بالدف ضارباً، فشيمة أهل البيت كلهمُ الرقصُ، نقول ذلك ورئيس وزراء أول حكومة بعد ثورة ديسمبر المجيدة، دكتور عبد الله حمدوك، يفتح أبواب البلاد على مصرعيها أمام بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان
(UNITAMS) أو يونيتامس والتي تمثل إحدى البعثات الخاصة للأمم المتحدة لمساعدة السودان في دعم الانتقال من الدكتاتورية إلى الحكم الديمقراطي، فكانت هذه البعثة بمثابة الشرِّ المستطير الذي مزّق السودان بدلاً من تعزيز وحدته واستقراره وذلك بفعل الممارسات التي كان ينتهجها رئيس البعثة، الألماني فولكر بيرتس والذي تتهمه الحكومة السودانية بإشعال نيران الفتنة والتسبب في حالة الاحتقان التي سادت المشهد السياسي خلال وجود بعثة يونيتامس في السودان بعدم الحياد، والانحياز إلى تحالف قوى الحرية والتغيير على حساب القوى السياسية الأخرى، وتدخله في شؤون البلاد، وكأنه الحاكم بأمره، وظل السودان خلال هذه الفترة مستباحاً من قبل المخابرات الأجنبية التي جابت طول البلاد وعرضها، تفرز سمومها في جسد هذا الوطن، حتى انتهى الأمر إلى هذه الحرب الشعواء التي يدفع ثمنها غالياً المواطن السوداني المغلوب على أمره.
ثغرات لأجندة خاصة:
الغرض من القرار هو إحكام أعمال التنسيق وإغلاق المنافذ على المنظمات الدولية، والسفراء المعتمدين لدى السودان وتواصلهم مع المكونات غير الحكومية، كالتجمعات المتعلقة بالفئات والمهنيين والإدارات الأهلية والطرق الصوفية وغيرها هكذا ابتدر دكتور راشد محمد علي الشيخ أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية إفادته للكرامة، مبيناً أن مثل هذا التعامل المفتوح يخلق ثغرات كبيرة جداً، لأجندة سياسية تنفذ من خلالها السفارة القائمة في الخرطوم، الأمر الذي يُدخل البلاد في حسابات صعبة جداً، لاعتبارات متعلقة بانحراف السفير عن نشاطه السياسي والدبلوماسي، واختراق الأنظمة الاجتماعية للدولة، الأمر الذي يتطلب من الجهات المعنية في الحكومة محاربة مثل هذه الظواهر بشكل من الأشكال المتعلقة بالانضباط وواجهات التعامل، وبالتالي تكثيف الإجراءات المتعلقة بصرامة القيود من قبل وزارة الخارجية، بحيث يصب في اتجاه أن يتم التعامل مع مثل هذه الكيانات، عبر بوابة وزارة الخارجية، لتكون راعية لهذه اللقاءات وملمة بتفاصيلها، مما يساعدها على كبح جماح تمدد السفراء المعتمدين لدى السودان، ويؤكد دكتور راشد محمد علي الشيخ أن تحرك بعض سفراء وتمددهم في مفاصل المجتمع، لا يكون بتوجيه من دولهم، ولكنهم يضيفون لمهامهم الأساسية ولسفاراتهم مثل هذه التحركات ومن تلقاء أنفسهم في هذه المساحات من تلقاء أنفسهم لاعتبارات متعلقة بتنفيذ بعض المهام الاستخباراتية، أو بعض المهام ذات الأجندة السياسية المرتبطة بمرجعيته السياسية مما يصب في مصلحة السفير الشخصية أكثر من مصلحة السفارة ودولته المعنية.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ قد تبدو حادثة إزالة إعلامي من مجموعة على منصة واتساب يديرها سفير أجنبي، بمثابة عثرة لتصحيح مسار منظومة السلك الدبلوماسي المعتمد لدى السودان، بحيث تتحرك وزارة الخارجية والجهات المعنية من أجل إغلاق كل الأبواب التي تأتي برياح القلق والهواجس، بفرض الضوابط اللازمة لتعامل السفراء الأجانب وفق مقتضيات الوظيفة الدبلوماسية، فسودان ما بعد الحرب ينتظره الكثير، ومشوار الميل يبدأ بخطوة، فلتكن هذه الخطوة معنية بفرض هيبة الدولة وضبط السفارات والبعثات الأجنبية، لتلتزم بعُرف الدبلوماسية، وتتقيد بقوانين ولوائح السودان، وقد أُعذر من أُنذر.