(نجـــــــوم في الحــــرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمــد جمــال قنـــدول
الفنان عبد الله البعيو لـ(الكرامة):
بسبب الحرب طبيب شغال “جزار” ومهندس “بتاع طعمية”
لديّ عازفٌ توفى بـ”دانــــة” وزملاءً بالوسط ماتوا كمدًا..
هذا ما يحدث لي عندما أُغني (…..)
هذه الحرب عبثية ومقصودة لتفكيك السودان
شاركتُ في حروبٍ كثيرة بالجنوب ودارفور..
بحب (صرفة) لأنه (بختني) في الصورة كأني بالميدان..
سجلت قصيدة (جندينا البطل).. وإحساس اللجوء صعب جدًا
ناس (الدرداقات والأكشاك) طلعوا خلايا نائمة
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الفنان عبد الله البعيو، الذي علم بوقوع الحرب اللعينة وهو بمصر مع أُسرته وكان يتأهب للعودة إلى السودان:
أول يوم الحرب؟
كنت في القاهرة، وكان المفترض أن أعود للسودان، حيث إنني عاودت أُسرتي المستقرة في القاهرة.
كيف علمت بنبأ اندلاع الحرب؟
علمت من الأستاذ عماد حسين الذي يمتلك وكالة سفر، وكان المفروض أسافر عبره، واتصل بي الصباح وقال لي: أفتح “الحدث” أو أي قناة إخبارية.
ماذا كان شعورك؟
شعور مؤلم لأنني عسكري وعارف حرب المدن.
الحرب طالت؟
كانت ستطول لأنّ التمرد تغلغل في أوساط المواطنين، واحتل المنازل والبيوت والحضر.
مأساةٌ عايشتها أيام الحرب؟
حتى اليوم أُعايشها، حيث أنّ هنالك العديد من الزملاء في الوسط الفني الذين توفوا منهم من استشهد، ومنهم من مات كمدًا.
الحرب؟
لعينةً، تحصد كل شيءٍ و،(شفناها) في بلدان كثيرة وآثارها.
هذه الحرب مختلفة عن سابقاتها؟
نعم لأنّ هنالك خيانات من الداخل، وحتى على مستوى المواطنين الذين جُند بعضهم للترشيد عن من كان جارًا لهم أو صديقًا أو قريبًا، والشيء المؤسف أنّه الواحد يكون في بيت أهله ويجيب ناس يرفعوا ويسرقوا، وقصصًا كثيرة سمعناها.
ما هي أبرز أسباب اندلاع الحرب؟
كما قال السيد القائد العام: هي حربٌ عبثية ومقصودة لتدمير وتفكيك البلاد وتقسيم ثرواتها.
ما هو دوركم كفنانين في هذه الحرب؟
سجلت قصيدةً اسمها (جندينا البطل)،في قناة الزرقاء بالقاهرة.
أنت عسكري وشاركت في حروبٍ كثيرة؟
نعم.. شاركتُ في حروبٍ كثيرةٍ مثل: الجنوب ودارفور وغيرها، ولكن عبر النغم بتشجيع الجنود، وأنا كنت عسكري جيش في سلاح الموسيقى.
ماذا عن تجربتك ك(عسكري) في صف القوات المسلحة؟
دخلتها كفنان في سلاح الموسيقى، وتدربت على فنون القتال، وجندت في القوات المسلحة وكان ذلك في العام ٧٤ حتى نزلت بالمعاش.
(يعني غنيت) في الجنوب أيام الحرب؟
لمدة 90 يومًا من ملكال وحتى جوبا و واو، وكانت رحلةً لا أنساها بالقطر.
ما بين حرب الجنوب وحرب اليوم؟
فرقٌ كبير، حرب الجنوب رغم أنها غابات وغيرها، لكنّ هذه مختلفة، حرب مدن وحرب الجنوب كان فيها أخلاق والدليل على ذلك معظم قادة الجنوب أُسرهم كانت في الخرطوم، ولكنّ حرب اليوم هي كارثية بكل المقاييس ولا مثيل لها هؤلاء أشبه بالحيوانات ويمكن أكثر.
هذه التجربة ماذا علمت السودانيين؟
(في طيبة زيادة عن اللزوم، وكنا فاتحين الجوار ساي).
أيامً عصيبة على السودانيين حربٌ وسيولٌ وأمراض؟
هذه أقدارٌ وتصاريفٌ من المولى عز وجلّ ولا اعتراض عليها، لكن (يجيني واحد من تشاد وإفريقيا الوسطى ومالي وليبيا وأديس وجنوب السودان ويقول لي عايزين الديمقراطية).
إحساس اللجوء؟
قاسٍ ومرير، رغم أننا نعيش وسط دولة جارة وأكرمونا، لكنّ الإحساس إنك تكون لاجئ صعب جدًا.
بعد عامٍ وأشهر من الأزمة، ماذا أنت قائل؟
إنّ مع العسر يسرًا والنصرُ قريبٌ ومتفائلٌ جدًا وأكثر زول بحبه (صرفة) بسمعه طوالي ساعة ونص وساعتين، لأنّه “بختني” في الصورة كأني موجود في الميدان.
لكل تجربة فوائد، هل لهذه الحرب فوائد؟
لا فوائد لهذه الحرب، “أنا هسي لو رجعت بحري شمبات محل ولدي ما حلقى شي”، ومن أقرب الناس “الكنا مفتكرنهم جيران ناس العزبة”، وهذه الحرب فرصة لمراجعة الأنفس، يعني نحن تساهلنا مع ناس “الدرداقات، والأكشاك، كلهم طلعوا خلايا نائمة، ياخ في أئمة مساجد موجودين معانا تفاجأنا أنهم دعم سريع”.
ما هو المطلوب من الناس؟
اليقظة من المواطن والدولة.
بعد الحرب والخراب والغربة عن الوطن، ما هو مصدر دخلك؟
الحاجة المؤسفة إني بعرف زول دكتور (شغال) جزار، ومهندس (شغال) خباز، وأيضًا مهندس (شغال بتاع طعمية،) و(نحن ناس طرب) في أي دولة ممكن نغني، لكن أنا حسرتي على الوطن والكفاءات هذه بعض فواتير الحرب اللعينة.
يوجد فنانون بعد الحرب لم يغنوا، وهنالك بالمثل من عادوا لممارسة مهنتهم مع تباين وجهات النظر بين الفئتين؟
كلام حقيقي، وطبعًا الأفضل الما غنى نهائي، لكن الحمد لله على كل حال، يعني مثلًا لدي عازف في فرقتي توفي بدانة أيام الحرب وكل ما أغني أتذكره واتقطع من دواخلي، والمسألة إحساس والفن إحساس.