من الذي بادر بالاتصال؟! جملة خلقت هاجساً كبيراً في نفوس السودانيين

حوّل البرهان من ( متلقِّي) إلى ( متصل)،،
خلل في الإعلام الرسمي..

بطء الإعلام الرسمي في نشر خبر المكالمة أثار بلبلة كبيرة..
..

شائعات وتكهنات ملأت السوشيال ميديا، ووضعت البرهان في مرمى النيران..

عبد العظيم عوض: إعلام الأزمة أهم أركان إدارة الحرب..

مطالبات بتحرك الجهات المختصة لمعالجة ثغرة الإعلام الرسمي..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو.

أثار تأخر الإعلام الرسمي في نشر خبر المكالمة الهاتفية التي جمعت رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة، برئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، ردود أفعال واسعة، وفتحت أبواباً واسعة دخلت من خلالها الشائعات، خاصة بعد أن نشرت وكالة الانباء الإماراتية خبر المكالمة الهاتفية، وأبانت فيه أن الفريق عبد الفتاح البرهان هو من بادر بالاتصال بالشيخ محمد بن زايد، لتضع بذلك رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش في مرمى نيران الاتهامات.

الوكالة الإماراتية:
وقالت وكالة الأنباء الإماراتية إن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، تلقى اتصالاً هاتفياً اليوم، من الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في جمهورية السودان الشقيقة، وبحث سموه ورئيس مجلس السيادة خلال الاتصال العلاقات بين البلدين الشقيقين وشعبيهما، إضافة إلى تطورات الأوضاع على الساحة السودانية وسبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها، وأكد سموه في هذا السياق حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان الشقيق بما يسهم في تعزيز استقراره وأمنه ويحقق تطلعات شعبه إلى التنمية والرخاء، وشدد سموه على ضرورة تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي وإعلاء مصالح السودان العليا والحفاظ على أمنه واستقراره، كما أعرب سموه عن التزام دولة الإمارات بمواصلة دعمها للجهود الإنسانية لرفع معاناة الشعب السوداني الشقيق.

الإعلام الرسمي:
ونشر إعلام مجلس السيادة الانتقالي ذات الخبر ولكن بعد نحو اثنتي عشرة ساعة قال فيه: تلقى رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان اتصالاً هاتفياً من رئيس دولة الإمارات المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ومن خلال المكالمة الهاتفية أوضح الشيخ محمد بن زائد رغبتهم في المساعدة على وقف الحرب الدائرة في السودان، حيث أبلغه رئيس مجلس السيادة أن دولة الإمارات متهمة من السودانيين وبأدلة وشواهد كثيرة تثبت دعم الإمارات للمتمردين، ودعمها لمن يقتل السودانيين ويدمر بلدهم ويشردهم، وعلى الإمارات التوقف عن ذلك.

المحتوى والمضمون:
ويبدو الفرق واضحاً بين ما أوردته وكالة الأنباء الإماراتية، وبين ما أورده المكتب الإعلامي لمجلس السيادة الانتقالي، من حيث صياغة الخبر والحيثيات والمضمون والمحتوى، ومن حيث تحديد من بادر بإدارة قرص الهاتف ليتصل بالآخر؟، ومن تلقى الاتصال؟ الفريق البرهان أم الشيخ محمد، فقد شكلت هذه الجزئية أهمية كبرى وزلزلت وجدان الشعب السوداني وأخرجت أثقال غضبه، وهو الناقم أصلاً على مواقف دولة الإمارات الداعمة لميليشيا الدعم السريع لوجستياً ومالياً وإعلامياً، فنزل خبر وكالة الأنباء الإماراتية كالصاعقة على رؤوس المواطنين المكتوين بلهيب المتمردين، فازدادوا وجعاً على وجعهم، ووضعوا الفريق البرهان في مرمى نيران الاتهامات بالتخاذل وخيانة عهد ودم الشهداء.

برداً وسلاما:
وفي المقابل تنزل خبر المكتب الإعلامي لمجلس السيادة الانتقالي برداً وسلاماً على غليان الشارع السوداني رغم تأخره، وأن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي مطلقاً، إذ تنفس الكثيرون الصُعداء، وحولوا هجومهم وما صبّوه من جام غضب على البرهان، إلى انتقاد البطء الذي لازم أجهزة الإعلام الرسمية، وغيابها وصمتها حوالي اثنتي عشرة ساعة قبل أن تستفيق وتتناول الخبر، الذي حوّل المعادلة ١٨٠ درجة، وفتح كوة في جدار الأمل بعودة الإمارات إلى جادة الطريق وغسل يديها من دعم ميليشيا الدعم السريع، خاصة بعد أن أشاد بعض الناشطين على السوشيال ميديا من غير السودانيين بخطوة الشيخ محمد بن زايد في الاعتذار والاعتراف بخطئه، ومراجعة موقفه، وهي سمة تتميز بها شخصية الشيخ محمد بن زايد الذي فعلها من قبل مع الأمير محمد بن سلمان، ومع تبون، وها هو يفعلها اليوم مع البرهان.

تأثير الإعلام:
ويؤكد خبراء إعلاميون على أهمية الرسالة الإعلامية وتأثيراتها الكبيرة في جوانب الحياة البشرية ولاسيما في ظل الظروف الاستثنائية كالحرب التي تجري في السودان منذ الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م والتي أشعلت فتيلها ميليشيا الدعم السريع، وفعّلت فيها آلة إعلامية مؤثرة، ظلت تتعامل بتوقيت موازي مع الآلة الحربية الأمر الذي أكسب المتمردين تقدماً ملحوظاً في بواكير الحرب، خاصة في ظل توقف أجهزة الإعلام الرسمية عن العمل وقتذاك تاركة مساحات شاسعة تحرك فيها إعلام المتمردين والإعلام الموالي لهم بحرية كبيرة رجحت كفة رفع الروح المعنوية للميليشيا في أوقات كثيرة كانت تخسر فيها ميدانياً.

إعلام الأزمة:
ويقول الإذاعي والخبير الإعلامي دكتور عبد العظيم عوض إن المرحلة الراهنة التي يمر بها السودان تتطلب ما يسمى مهنياً بإعلام الأزمة والذي يعتبر من أهم أركان إدارة الحرب، فإما يزيد من أوارها واشتعالها، أو يقلل من آثارها السلبية تمهيداً لانحسار الأزمة تدريجياً وصولاً إلى نهاياتها، وهو الأمر الذي يتطلب عدة معايير أجملها دكتور عبد العظيم في حديثه للكرامة في السرعة القصوى في نشر الخبر عبر كافة الوسائط المتاحة، إضافة إلى إعمال الفورية المطلقة في تلقي المعلومة وتحليلها ونشرها، ثم المصداقية والدقة، باعتبار أن إحساس المتلقي بعدم صدقية الخبر يعني انصرافه كلياً عن متابعة مصدر معلومات المحطة المعنية لاحقا.

معلومات مضللة:
في مثل ظروف الحرب كالتي يعيشها السودان، فإن بطء أجهزة الإعلام الرسمي في نشر المعلومات الصحيحة، يؤدي إلى فراغ وثغرة كبيرة يمكن استغلالها من قبل الإعلام المعادي في إيصال معلومات خاطئة ومضللة، هكذا ابتدرت دكتورة نجلاء بشير بخاري الباحثة والمحاضرة في الجامعات السودانية حديثها للكرامة، وأضافت أن غياب الإعلام الرسمي يتيح للإعلام المعادي فرض أجندته وامتلاك زمام المبادرة، وترسيخ الكثير من المفاهيم الخاطئة لدى المتلقي، مستدلة بحديث لدكتور التيجاني الماحي أبو الطب النفسي الذي كان ينادي بضرورة الاستماع إلى الإعلام الرسمي أثناء الحرب، بقولته المشهور: ( في زمن الحرب، تقفل جميع الإذاعات إلا إذاعتك لتعرف ما وهو واجبك تجاه وطنك) وذلك درءً للشائعات، باعتبار أن أول معلومة تصل للمتلقي، تترسخ في ذهنه ويصبح من الصعب تغييرها، وشددت دكتورة نجلاء على ضرورة أن يهتم المعنيين بأمر الإعلام في البلاد بمواكبة تسارع الأخبار والتأكد من المصادر ومدى صحتها ونشرها بالسرعة المطلوبة دحضاً للشائعات.

صياغة واتقان:
وشدد الإذاعي والخبير الإعلامي دكتور عبد العظيم عوض على أهمية المهارة في صياغة مادة الخبر وترتيب جملها برصد الأهم فالمهم وصولاً إلى الأقل أهمية وهو أمر يتطلب خبرة كافية ومهنية عالية، وأشار دكتور عبد العظيم عوض إلى ضرورة الانتباه إلى تبسيط اللغة بلا إفراط أو تفريط، إذ ينبغي أن يُكتب الخبر بلغة مباشرة وبسيطة خالية من البلاغة والتقعر، ونوه الإذاعي والخبير الإعلامي دكتور عبد العظيم عوض في ختام حديثه للكرامة إلى أن خبر المكالمة الهاتفية الذي انفردت به وكالة الأنباء الإماراتية، قد طالته يد المعالجة وإعادة الصياغة أكثر من مرة، في وقتٍ تأخر فيه صدور الخبر من الجانب السوداني والذي يفترض أن يعكس وجهة النظر الوطنية، مما جعل الخبر الأول الصادر من وكالة الإمارات متسيداً الساحة لنحو اثنتي عشرة ساعة كاملة، فأصبح بالتالي الأكثر تأثيراً وتشكيلاً للرأي العام المتابع والذي لا يحتمل مثل هذا الغياب، في ظل السرعة الفائقة التي باتت تنشر بها الأخبار عبر الوسائط الإلكترونية الحديثة.

خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فقد كشفت المكالمة الهاتفية التي جرت بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة، برئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، عن وجود ثغرة كبيرة في جدار الإعلام الرسمي ينبغي أن تتحرك الجهات المختصة لمعالجتها خاصة وأن البلاد مقبلة على مرحلة حساسة تتطلب تعاطياً سريعاً ومثمراً مع الأحداث بما يغلق الباب أمام التكهنات وإعمال التحليلات التي غالباً ما تطيش سهامها بعيداً عن (تختة) الحقيقة فتُثير بلبلة وتُحدث فوضى البلاد في غنىً عنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى