بعد و مسافة -مصطفى أبو العزائم – الإنزلاق إلى هاوية الجّحيم السياسية

أسوأ درجات الجّحِيم السّياسي هي المواجهات المُسلّحَة وأولى درجاته هي عدم القبول بالآخر أو الإعتراف به ، وهذا ما تواجهه النخب السياسية الآن ، وتندفع اليه دون وعي الا لدى قلة قليلة.
خطورة الإنزلاق إلى هاوية الجّحِيم السّياسي ، إنه لن يُبْقِى على أخضر أو يابس في بلادنا ، خاصةً أذا ما أراد البعض – قصداً أو جهلاً – أن يحدث تصادم بين عقائد المواطنين وقيمهم ، مثلما حدث في قضية تعديل القوانين ، خاصة وإن بلادنا تسير في طريق مليئ بالأشواك ، وإن نظام الحكم القائم يعاني من إنهيار إقتصادي ، وأزمات تحيط به من كل جانب ، إضافة الى معارضةٍ شرسة من أنصار النِّظَام السّابِق ، ومن عامة التّيّارات الإسلامية ، حتى تلك التي لا تمشي في دروب السياسة … هذا غير غضَب وعتَب الحركات المُسلّحة التي تفاوِض على سلام عادل في جوبا.
أود الإشارة ” أولاً ” إلى أن التّعديلات التي شملت بعض مواد القانون الجنائي لسنة 1991م ، كانت تعديلات لم يراع فيها الأسس التشريعية لسن القوانين ، أي إن الغرض منها كان سياسيّاً لاغير ، وقد إنشغل النّاس بها وإنصرفوا عن غيرها من أزمات تواجهها بلادنا.
ثم أود الإشارة ” ثانياً ” إلى تصادم هذه التعديلات مع عقيدة الشغب السّوداني ، لأن كل الحكومات التي أعقبت حكم الرئيس جعفر نميري – رحمه الله – لم تستطع إلغاء قوانين الشريعة الإسلامية التي أعلنها الرئيس نميري رحمه الله في سبتمبر من العام 1983م ، وقد أسمتها معارضة نظام مايو ، وكل القوى المطالبة بعدم تطبيقها ب(قوانين سبتمبر ) ، رغم الأصوات العالية لم تجرؤ اي حكومة على إلغاء (قوانين سبتمبر ) التي وصفها زعيم سياسي كبير ذات يوم بأنها لاتساوي الحبر الذي كتبت به .
السّؤال الذي يجب أن نبحث له عن إجابة دقيقة ، هو : *( لماذا لم تستطع كل الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان بعد زوال النظام المايوي ، من إلغاء القوانيين المستندة على الشريعة الإسلامية؟)*… وفي رأيي المتواضع أن السّبب هو توافقها – أي تلك القوانيين – مع المِزَاج السّوداني ، خاصة وأنها لم تمس قوانيين الأحوال الشخصية لغير المسلمين .
ماحدث في عهد الإنقاذ من تعديلات قانونية إنما كان يعني استصحاب (كل) ماهو موجود في قوانيين 1983م وإعادة صياغتها في قانون 1991م ، لكننا نرى الآن إن هذه التعديلات قد جاءت مجافية وبعيدة كل البعد عن الضوابط البرلمانية ، وإن الذي جاء بها حقيقة هو ضرورات التفاوض ، إضافة للضّغوط الدولية التي خضعت لها قوى الحرية والتغيير ..واستجابت لها .. لكن الخطورة التي نراها الآن هي إن هذه التعديلات ستقود حتما إلى الإستقطاب الحاد ، الذي يقود بدوره إلى المواجهات التي تقود إلى الفوضى والتي نخشى أن تنزلق ببلادنا إلى هاوية الجحيم السياسي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى