دكتور محمد حسن فضل الله يكتب: السلام لقلبك يا صاحبي… وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به          

والإشاعات تنطلق والميديا تختنق والرسائل تزدحم والحرب النفسية تكشر عن أنيابها …

يا صاحبي.. تطالع فضاء الميديا المفتوح فإذا بالرسائل تتطاقش.. 600 عربة في النابتي في طريقها الي سنار.. رسالة أخرى 150 عربة في طريق تمبول.. رسالة متحرك اسرافيل في طريقه إلى الخرطوم.. رسالة أخرى امداد عسكري ضخم بطريق بارا.. رسالة صوتيه عن 300 عربة في الفاو… فيديو مصور عن 70 مدرعه في المسعودية… نزوح جماعي لسكان الدندر، نهب أسواق سنجة.. العدو على مشارف شندي.. متحرك يتجاوز ود الكريل باتجاه الدويم فزع عسكري صخم.. سفينة عملاقة تحمل اسلحة في الهلالية.. مركبة فضاء تتحرك من العيلفون … والاسافير تمتليء وتزدحم..

رسائل مجهولة المصدر، مجهولة الكاتب، مجهولة الناقل.. ثم يأتي من يقسم لك انه شاهد أفراد العدو ينزلون من السماء.. ومنهم من يقسم لك أنه شاهد حصى الأرض ينقلب جنودا منهم..

أما النسوة يا صاحبي.. فأمرهن عجب فمن حدثتها قريبة من قرايب جيرانهم عن الشجر الذي يحمل ثمارا فتنقلب جنودا للمليشيا، وعن جنود المليشيا الذين يختبئون داخل جذور الشجر، وعن تلك الفتاة التي تم زراعة أجهزة تشويش في رحمها، .. ومنهم من تحدثك عن دانة المدفع ١٣٠التى تحمل غازات كيمائية … وعن سحابة الإمارات التي تمطر رصاصاً ينهمر فوق الرؤوس.. وعن ولد جيرانهم الذي أكل صاروخ الكورنيت رأسه …أحاديث وأحاديث..

ياصاحبى من أطرف ما حدثني ذات تجلي أخي الشهيد عبد الشكور في معرض الأمثال عن مثل يرفعه بعضهم دون علم إلى مصاف الأحاديث النبوية مروياً عن جماعة من مشايخ أهل الحكمة قالوا (من صدق النساء كذب الرسل).. وكان الشهيد مقتنع ويبدو أنني بت مثله…

يا صاحبي.. إرجاف ما بعده، وترويع ليس مثله، وتخويف لا شاكلة له هدفه إشاعة الخوف والقلق والذعر …

هي الحرب النفسية ذات نفسها التي أطلقها اليهود يوم حصار الأحزاب للمدينة ….. ذاك اليوم الذي وصفه ربنا ذو الجلال فقال (إذ جَآءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا) …
يا صاحبي هي الحرب النفسية التي تجند لها اليوم الغرف، والقنوات، واليوتوبيرز، والاسافير …. حرب سلاحها الإشاعات ووقودها الأكاذيب…

هي الحرب النفسية يا صاحبي التي تقتل بلا رصاصة وتذبح من الوريد للوريد بلا سكين تفت عضد الأمة، وتفسد عزيمة الرجال، وتروع الأطفال، وتقهر النساء.
يا صاحبي الم أقل لك يومها إن القرآن لايزال غضاً طرياً من يوم أنزل …. تقرأه في مشهد وموقف مثل أمامك.. فكأنما تنزلت آياته الآن …

اقرأ معي يا صاحبي الأية (83) من سورة النساء قول الله تعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)..

وفي سبب النزول قال البغوي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا، فإذا غَلبوا، أو غُلبوا بادر المنافقون، يستخبرون عن حالهم فيفشون، ويحدثون به قبل أن يحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضعفون به قلوب المؤمنين …

وفي الآيات ما ينطبق على أهل النفاق، وما ينطبق على ضعفاء الإيمان، فإن هؤلاء جميعاً يشتركون في بعض الأوصاف، فهم يشتركون في قلة ثباتهم، وفي ضعفهم في المُلمات، وفي تلونهم، وفي تركهم لأمر الله – تبارك، وتعالى – ولأمر رسوله ﷺ وفيما يقع لهم من شدة الخوف في الحروب…

اذاعوا به بلا تريث ولا تمحيص ولا تدقيق…
اذاعوه دون تقدير أو تصويب أو تصحيح …
ولو تريثوا قليلاً وردوه الى أهل المعرفة لوجدوا عندهم الاجابة..

وعند الطبري يعنى إذا سمع هؤلاء خبرًا
(مِنَ الْأَمْنِ) يعنى خبرًا يتعلق بانتصار حققه المسلمون (أَوِ الْخَوْفِ) أو خبرًا يتعلق بتعرض المسلمين لهزيمة أو قتل (أَذَاعُوا بِهِ) يعنى أَذَاعُوا هذا الخبر ونشروه دون أن يتأكدوا من صحته. وكان ذلك يحدث بلبلة واضطراب في صفوف المسلمين…

يا صاحبي عصمك الله من الإشاعة.. ومن إذاعة الأخبار بغير هدى، وكتب الطمأنينة لقلبك العامر بالإيمان، ثم السلام لقلبك الطيب.. وكن سرمداً بخير… اللهم سلم. اللهم سلم.

Exit mobile version