على تمام الوطن – مهندس أميمة عبد الله -اللؤلؤتان .. الساحل والجبل ( 1-3 )

عند الشاطئ تماماً حبة لؤلؤ وباقي الموجة و طعم الملح و ذاكرتي ..
عند الساحل دفتري و قلم الرصاصٍ و باقي الضوءِ و أحلامي ..
عند الساحل صورةٌ و نبضٌ و لوحةٌ ووطن جريح ..
عند الساحل تماماً ماضٍ يُغلق و يُغادر ، و أبوابُ أخرى تُفتح و مقامُ جديد ..

أحداثٌ بعيدة تتسلل إثر بعضها كخيوط لوحة قديمة ، تعيدني نحو عشرين عاماً للوراء، كنت وقتها هنا في ذات المكان أجلس ، عند شاطئ البحر الأحمر في مدينة الساحل، أكتب نصاً قصصياً.

في العام 2005م والخرطوم عاصمة للثقافة العربية، و من أجل خاطر الأستاذة الصديقة زينب بليل شاركت في مسابقة القصة القصيرة وأحرز ذاك النص المركز الأول، وبقيت المدينة في داخلي أعواماً كذكرى نصٍ و حدثٍ له حلاوة السكر في تاريخي القصصي، توثقت العلاقة بيننا ، سواكن و البحر و قلمي رغم أني لم أزرها منذ ذلك الزمان ، إلا أنه البحر و سره العميق عند الكُتاب و زرقته و هواءه الرطب و هدوء المدينة المغري وتراب التاريخ العالق في الأجواء، وكنت ابحث كالمخنوق لجرعة ماء، عن فرصة تعيدني للمدينة و ساحلها الممتد هدوءً و فضاءً.

وطاف الزمان بي سنيناً و تغير كل شئ و عدت للمدينة توقاً وحباً وتقديراً لأهلها ، مكثت فيها قرابة العام بعد وقوعنا في فخ صناعة المليشيات و نشوب حربها و هجوم المرتزقة الغادر على الدولة ، كانت مدينة بورتسودان وجهتنا ، و يا روعة المدينة وأهلها و حكومتها المحترمة، لم تخذل تقديري لها ومحبتي العميقة و ذكرى السكر تلك ، و كان ليّ فيها مقام جديد كمقام الصوفي عندما يرتقي نحو الصفاء، توطدت معرفتي بالولاية و اتخذت لي فيها أصدقاء جدد رائعين ، زرت محلياتها و تعرفت إلى ساكنيها الودودين، عميقي المحبة لمناطقهم رغم شح الطبيعة في الظل والماء و جفاف الساحل المالح
و الثروات العظيمة للبحر غير المستغلة كما يجب من أجل تنميتها ، مشاكل حقيقة تستحق الإهتمام من قيادة الدولة ، و كان سبب الزيارة التي امتدت هو التنسيق لمشروع يمثل حلمي الوظيفي سأتحدث عنه في المقال القادم.

و خلال تلك الفترة الطويلة في المدينة الساحلية تعرفت على أُناس قادمين من الخرطوم ما كنت لألتقيهم لولا الحرب الغادرة ، كانوا لي إضافة معرفية وفتحاً لعقلي بجديد الأفكار و الحوارات ، حكاياتهم القديمة و تجاربهم في الحياة،
و كيف لا أكون ممتنة للسيد المتواضع العارف الخبير في شئون وزارة المالية و خفاياها وتاريخها وملفاتها ولوائحها وبوزراء المالية الذين تعاقبوا عليها، تحفظه الوزارة من طول ما مكث فيها ، و أنا أسالة كم لك من الأعوام في وزارة المالية ، إيتسم قائلاً أنا فيها منذ العام 1979م .. يا له من تاريخٍ بعيد .

و لكم أنا ممتنة لمدينة بورتسودان التي جمعتني بالسيد وكيل وزارة المالية الأستاذ عبدالله إبراهيم علي ، و أنا أرقب صبره و جلوسه على كرسي عادي منذ السابعة صباحاً و حتى العاشرة ليلاً وحوله فريقة قليل العدد ليباشر مهام أهم وزارة في أيام الحرب الأولى ، صبراً ما رأيت مثله من قبل، وهو يجتهد أن يجد حلا لكل مشكلة ، و موظفو و وزراء حكومة الخرطوم وولاة الولايات و مفوضو المفوضيات المختلفة كلهم في الصف ينتظرونه ليوفق لهم أوضاع مؤسساتهم حتى يتمكنوا للعودة للعمل ، كلهم يستقبلهم بذات الترحاب رغم نهار بورتسودان الحار ، فأوقاتُ الصباح والنهار والمساء كلها عنده سواء ، لا تفارقه بشاشة الوجه ، يستمع دون مقاطعة و يعالج الأمر بمهنية خبرة متراكمة عبر عشرات الأعوام ، لقد ميزت تلك الصفات النادرة في زماننا هذا العلاقة بينه و بين الوزير دكتور جبريل إبراهيم، فقد رفع عن كاهل الأخير الكثير من الأعباء الملحة و التعقيدات التي أوجدتها الحرب ، ورؤيته في إعمار السودان ودور وزارة المالية في المرحلة المقبلة ووضعية إداراتها وفقا لإستثنائية الفترة و شراكات الوزارة مع القطاع الخاص. إنها فرصة عظيمة لولاية البحر الأحمر للإستفادة من هذه الخبرات المتراكمة.

الآن صارت لدي ذكريات جميلة قديمة إستعدتها بأيام أجمل رفقة المدينة الساحلية التي سأعود للكتابة عنها مرة أخرى بمشئية الله ، أما مدينة الجبل “نيالا البحير” اللؤلؤة الثانية فتلك حكاية أخرى سنحكيها تباعاً في المقالات القادمة بمشيئة الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى