لوالدي النعيم موسى طيّب الله ثراه وغفر له ، صداقات كبيرة وعلاقات ممتدة مع جميع قبائل السودان المختلفة ولكنها كانت مُتفرِدة مع أبناء قبيلة المساليت فرسموا لوحة في التلاحم والمحبة والإخاء لأكثر من ثلاثون عاماً إلى أن رحل للدار الآخرة كانوا ومازالوا نِعم الرجال .
من خلال عمل والدي رحمه الله رحمة واسعة في أسواق المحاصيل تعرّفنا على جميع أطياف المجتمع السوداني فما وطأت قدماي فرح أو كَره إلاّ وسمعت كل الخير عن مَن أنجبني وما جلست مجلس في ولاية القضارف إلاّ و وجدت مَن تربطهم صِلات طيبة وخوة كريمة وتحدثوا عنه بكل طيب وجميل .
وعندنا يجئ الحديث عن صَديق والدي المُقرّب عبد الكريم أبو قرجا فإنه يختلف كثيراً لعلاقته الطيبة بأبي ، فهم أهلٌ فيهم جميع صفات الخير ، يكرمون مَن دخل دارهم لا ينطقون إلاّ الجميل حَديثهم طيب وعليه الطُمأنينة والسكينة ؛ ما تحدثوا إلاّ وذكروا إسم الله .
عندما كُنا صغاراً يحضرون لأفراحنا وأتراحنا كما يبادلهم والدي ( رحمه الله ) لم يتركوا صُحبته حتى بعد مماته يواصلوننا ونصلهم ودائماً يُبادرون .
عبد الكريم أبو قرجا رجل مُتفرّد في خُلقه وأخلاقه وحُسن مَعشره ، لم يُفارق والدي طِوال عملهم بأسواق المحاصيل ؛ عندما إرتفعت روح والدي لبارئها دمعت أعينهم وما أصدق دموع الرجال ، يذهب عم عبد الكريم للمقابر لزيارة والدي صَديق عمره ، لم ينقطع عنه في القبر كما كان يواصله في الدنيا . في فبراير الماضي كان زواج إبن عمنا عبد الكريم فلم أحضره نسبة لسفري لمدينة بورتسودان فعندما ذهب إخواني موسى وأحمد لم يتمالك أصدقاء والدي وأصبحوا يبكون بدمعتهم يبكون رفيقهم وصديقهم الذي كان يقف معهم في أمثال هذه المواقف .
تَرك لنا والدي طيّب الله ثراه علاقات إجتماعية نفخر بها لصِدقها ومحبتها ؛ فألحمد لله أن كنا حاضرين لهذا التلاحم والتشابك الذي سنّه ديننا الحنيف .
في خواتيم الشهر الفضيل ذهبنا وإخوتي لدار عم عبد الكريم أبو قرجا فعند سلامه ومعانقته أشتم رائحة والدي فيه وطيبته وتحنانه ولا أنسى تلك العبارة التي ذكرها لي ونحن نُغاظر داره العامر : ( إتعاهدنا والله نعمل لي أخوي نعيم صدقة جارية بأسمه ) .
فارقنا والدي وهو متوضئ لصلاة الظهر ولم يستطع الصلاة وتوفاه الله وهو ناطقاً للشهادة بحضور من حضروا لحظاته الأخيره ؛ اللهم ببركة الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلّم أدعوك أن تغفر لوالدي النعيم وترحمه وترفعه درجات عندك في أعلى الجنان ، اللهم أفتح له في قبره مدّ بصره وأكتب له سعادة الآخرة كما أحسنت خاتمته .
