بالنظر إلى تشكيل اللجنة نجد أن أعضاءها هم محمد بن شمباس من غانا وسبق أن تم تعيينه في ديسمبر 2012م ممثلاً خاصاً مشتركاً للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دار فور ورئيساً لتلك البعثة التي عرفت باليوناميد وقد عمل من قبل رئيساً لمفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا ( ايكواس ) من عام 2006-2009م كما عمل بعدها ممثلاً للأمين العام المتحدة في غرب أفريقيا أما في بلاده فقد عمل عضواً برلمانياً ونائباً لوزير الخارجية ثم نائباً لوزير التعليم.
العضو الثاني هو سبيسوزا وانديرا كازيبوري وهي طبيبة جراحة خريجة جامعة هارفارد عملت نائبة للرئيس اليوغندي يوري موسفيني في الفترة من 1994- 2003م، وقد نافست في عام 2016م على منصب رئيس مفوضية الأتحاد الأفريقي وفي عام 2013م كان قد تم تعيينها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثاً خاصاً لمرض نقض المناعة المكتسبة ( الايدز ) كما عملت كبيراً لمستشاري الرئيس اليوغندي للسكان والتنمية .أما فرانسيسكو ماديرا فهو المبعوث السابق الخاص لرئيس المفوضية الافريقية في الصومال.
بدأت تلك اللجنة عملها منذ تاريخ تشكيلها ثم زارت السودان والتقت برئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في 4 مارس 2024م وخلال ذاك اللقاء دعا البرهان الاتحاد الافريقي إلى إعادة عضوية السودان الكاملة في هذه المنظمة الافريقية، ووفقاً للبيان الصادر عن مجلس السيادة الانتقالي فإن البرهان : ( أعرب عن ثقة السودان في الاتحاد الافريقي وما يمكن أن يقدمه من حلول شريطة أن تعيد الدولة ثقتها في الاتحاد الافريقي بالتعامل معها كعضو كامل الحقوق في هذه المنظمة).
وبالعودة الى تجارب الاتحاد الافريقي مع السودان يمكن القول أنها ناجحة إلى حد ما ويمكن تحقيق نجاحات عبرها إذا أحسنت الدبلوماسية السودانية إدارة هذا الملف وقد ساعدت جهود الاتحاد الافريقي سابقا في التخفيف من حدة التدخل الدولي في الشأن السوداني ويمكننا أن نأخذ على سبيل المثال البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والتي عرفت اختصاراً بيوناميد والتي كانت مسئولة عن حفظ الامن والسلم في دار فور وكان أساسها قوة الاتحاد الافريقي التي بلغ عديدها 9000 جندياً وقد اندمجت في القوة الجديدة حينها، وكانت تلك أول قوة مشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وأكبر بعثة لحفظ السلام شملت عسكريين وضباط وأفراد شرطة وموظفين مدنيين أممين ومحليين ومتطوعين، واستمرت تلك البعثة حتى نهاية تفويضها في ديسمبر 2020م وقد خلفتها بعثة يونتامس المختلف حول كيفية قدومها وطرائق عملها الملتبسة والتي أدت في نهاية المطاف إلى صنع النزاعات وتأجيجها حتى انتهى الأمر باندلاع حرب 15 ابريل 2023م، والتي شنتها مليشيا الدعم السريع ضد الجيش والشعب السوداني بعد فشلها في الاستيلاء على السلطة وتقاسمها مع جناحها السياسي قحت .ورغم أن سابقتها اليوناميد لم تقم بدورها كما ينبغي في الحد من العنف ونشر الأمن لكنها كانت بديلاً جيداً لمشروعات أعدت للتدخل في الشأن السوداني بواسطة قوى أمريكية وأوروبية كان من العسير خروجها من السودان إذا دخلت، وهذه الفرضية تعززها تجارب تدخل الغرب في العديد من الدول الأفريقية والآسيوية واستمرارها في التواجد حتى بعد نهاية الأزمات التي كانت سبباً في تدخلها، وغالباً ما تكون أصلاً من صنعها في إطار ما يعرف بالفوضى الخلاقة بل وأحياناً تتدخل تلك القوات في تحديد من يكون رئيساً للبلاد كما هو الحال حتى في بعض دول الجوار السوداني.
إن لجنة الاتحاد الافريقي تمثل بديلاً مناسباً للإيقاد التي يعوزها الحياد، بعد أن أصبحت الدول الفاعلة في الأزمة الحالية ومن بينها دولاً عربية تتدخل في سير عمل هذه المنظمة كما حدث في قمتها الأخيرة التي أصدرت بياناً مختلفاً حوله جاء بعد مغادرة العديد من الرؤساء ووصول وزير من إحدى الدول العربية فُصل له ذلك البيان كما يريد، فأعلن السودان انسحابه و تجميد عضويته فيها رغم أنه من مؤسسيها ، وحسنا أنه لم ترد في بيان تشكيل اللجنة أي إشارة الى منبر جدة الذي فقد بريقه بعد فشله في متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ومن حق السودان الاستمرار في الاستفادة من دفء محيطه الافريقي عبر الاتحاد بعد أن اصبحت جامعة الدول العربية كما سبق ذكره مجرد منظمة علاقات عامة ظل دورها يتضاءل كل عام حتى وسط أعضاءها رغم تجاوزها عمر الثمانين.
إن الجديد في عمل هذه اللجنة هو الحياد الإيجابي ووقوفها على مسافة واحدة من جميع القوى والمكونات السياسية السودانية وعدم الدعوة إلى إقصاء احد وقد بدأت بالفعل اجتماعاتها بتلك الجهات داخل السودان وخارجه، وفي تقديري تلك أولى الخطوات في الوصول الى النجاح المطلوب بطي صفحة الحرب والقضاء على مسببات النزاع والوصول إلى حل متراضى عليه يقود إلى وقف الحرب وقيام انتخابات حرة نزيهة يختار فيها الشعب حكومته على كافة المستويات.