بقلم : الباحث الأكاديمي
الدكتور / طاهر موسى الحسن
Tahermusa2010@yahoo.com
توقفنا في الحلقة السابقة مع السؤال المنطقي الذي فرض نفسه عن أسباب عدم إنتهاج الولايات المتحدة الأمريكية سياسة شرق أوسطية تحفظ للأنظمة (الموالية لها) ماء وجهها، بالإرتفاع إلى الحد الأدنى من توقعاتها، وبمراعاة الحد الأدنى من مصالحها الداخلية والمحلية !. ويمكننا أن نلحظ أن الحلم البعيد، لكل الأنظمة الموالية لأمريكا (في الوطن العربي)، كان (منذ 1967م) أن يصل إلى البيت الأبيض، رئيسُ يعي مصالحِ بلاده الحقيقية في الشرق الأوسط، ويستوعب عدالة القضية الفلسطينية ، فيتصرف بالتالي بالطريقة التي سبق وأن تصرف بها الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور عام 1956م، أثناء العدوان الثلاثي على مصر، مما أنقذ يومها صحراء سيناء وقطاع غزة من براثن الإحتلال الإسرائيلي .
وكانت هذه أحد رجاءات الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات (عليه الرحمة والمغفرة) فقد ناشد الرئيس الأمريكي حينها (1978م) جيمي كارتر بالضغط على إسرائيل كما فعل الرئيس أيزنهاور في العام 1956م، وأجبرها على الإنسحاب من سيناء ، بقوله: (أليست هذه وساطة أمريكية؟ أن وزن واشنطون ما يزال في الجانب الآخر، أننا نتذكر ما حدث في العام 1956م حين إستخدم أيزنهاور وزنه، فلماذا لا يفعل كاتر الشئ ذاته؟) من السفير اللبنانية في أبريل 1978 .
ولكن إلى أن تتحقق هذه الأمنية تعمل الأنظمة الموالية لواشنطون، وبشكل دائم على تقديم التبريرات والتعليل للقصور الذي يعتري السياسة الأمريكية نحوها، ونحو مصالحها، بوجود قيود تكبل الرؤساء الأمريكان، وتحد من حريتهم وحركتهم، ومن إستقلالية قراراتهم، فيما يتعلق بالقضية العربية عموماً، والفلسطينية على وجه الخصوص مثل الحديث عن سيطرة اليهود الأمريكان على الإقتصاد الأمريكي سيطرة كاملة ، وبالتالي تحكمهم في حياة البلاد الثقافية والإجتماعية والإعلامية ، مما يعطيهم المقدرة شبه الكاملة على إملاء السياسات التي يريدون على رئيس البلاد. علاوةً عن الأصوات الإنتخابية اليهودية، وقوتها الأسطورية (المزعومة)، وسطوتها المفترضة، على مصير الرئيس الأمريكي ، والنتيجة العملية لمثل هذه التبريرات، هي أن يقدم الجانب العربي التطمينات للرئاسة الأمريكية ، على سلامة مصالحها ، ومساعدتها من التحرر من السيطرة اليهودية على مصيرها وقراراتها ، وعندما يتم ذلك في (يوم من الأيام) لن يحتاج الرئيس الأمريكي إلى إسرائيل، وسوف يعمل جدياً للضغط عليها، لتحقيق وضع شرق أوسطي مستقر ومتوازن، يخدم مصالح جميع الفرقاء، لأنه فعلياً يكون قد إنعتق من هيمنة اللوبي الصهيوني .
وحول دور اللوبييات وهي (جماعات الضغط المنظمة حول مصالح حيوية معينة بهدف التأثير على القرارات السياسية الأمريكية في الكونغريس ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض والبنتاغون وغيرها من مراكز القوة والقرار)، يؤكد الخبير الأمريكي في الشئون العربية وليم ب كواندت في كتابه (السياسة الأمريكية تجاه النزاع العربي الإسرائيلي) الحقائق الآتية:-
1/ على الرغم من التنظيم الجيد الذي تتمتع به اللوبيات الصهيونية في أمريكا، فإنها لا تملي في أي حال من الأحوال السياسة الأمريكية أو تحددها .
2/ كثيراً ما يلجأ صانعو القرار السياسي الأمريكي، نسبة بواعث قراراتهم إلى نشاط اللوبيات وجماعات الضغط المنظم، لأنها توفر لهم المسوغات والأعذار اللازمة ليفعلوا ما يريدون فعله في مطلق الأحوال ، ولإسباب لا علاقة لها باللوبيات وضغوطها.
3/ إن الدراسات الدقيقة التي أجريت عن نشاط اللوبيات والمصالح التي تمثلها، والنفوذ الذي تتمتع به في التأثير على صنع السياسة الأمريكية الخارجية، بينت أن تأثيرها الجدي لا يتعدى إبراز بعض القضايا، إبرازاً ملحوظاً، بخاصة على الصعيد الإعلامي على حساب قضايا أخرى .
4/ على عكس ماهو شائع، فإن البيت الأبيض ووزراء الخارجية، بعيدان من تأثير اللوبيات، لأن نشاطها الأساسي يتركز في الكونغريس، والأخير لا يشكل قوة فاعلة في رسم السياسة الخارجية الأمريكية، لأن المبادرات الدبلوماسية، وإدارة المفاوضات، وتوجيه العلاقات اليومية مع الشرق الأوسط، والإرتباط بالإلتزامات مع الدول الأجنبية، تقع كلها خارج نطاق أعماله وصلاحياته على حد تأكيده .
ويظل السؤال يراوح مكانه ، لماذا كل هذا التناغم الكامل بين أمريكا وأتباعها من الدول الأوربية في الدعم اللامتناهي لدولة الكيان الصهيوني؟ وبهذه السرعة ! دون أي مراعاة للمصالح الغربية الضخمة في الوطن العربي؟ ولماذا تعجز الدول العربية في تسخير ما بيدها من ثروات تحتاجها أمريكا والدول الغربية لتضغط بها لخدمة قضياها وعلى رأسها القضية المركزية للأمة الإسلامية (فلسطين) ؟ .
25 أكتوبر 2023م .