طوفان الأقصى التوقيت والميدان …

بقلم : الباحث الأكاديمي
الدكتور / طاهر موسى الحسن
Tahermusa2010@yahoo.com

في حدث أقرب إلى الخيال تعرضت فجر يوم السبت 7 أكتوبر 2023م المستوطنات الجنوبية لدولة الكيان الصهيوني، لعملية عسكرية مباغتة شنتها عناصر كتائب القسام التابعة لحركة المقاومة الاسلامية (حماس)، وعلت أصوات صافرات الإنذار في كل المدن المحيطة بقطاع غزة ، صادف توقيت الهجوم مناسبة دينية يهودية هو (آخر يوم من أيام عيد الشكر اليهودي)، حيث كانت دولة الإحتلال تغط في نوم عميق بكل أجهزتها العسكرية والأمنية والسياسية .
بدأت العملية مع خيوط الفجر الأولى من غزة، بهجوم بمئات الصواريخ التي إنطلقت تجاه المستوطنات التي تحيط بقطاع غزة والتي تعرف إعلامياً بـ (غلاف غزة) .
الهجوم كان منسقاً ومباغتاً خططت له كتائب القسام جيداً، وإستخدمت فيه تكتيكاً دقيقاً، ودفعت بعناصرها داخل المستوطنات بكل الوسائل المتاحة لديها، حيث إستخدمت المراكب الشراعية، والسيارات بعد إزالة الأسلاك الشائكة بإستخدام الجرافات، والمناطيد لعبور الجدار العالي المضروب على طول الشريط الحدودي مع غزة .
فقد صرحت وسائل الإعلام الإسرائيلية بدخول (1000 عنصر مسلح) من المقاتلين الفلسطينيين لكل المستوطنات حول غزة. ونقلت عدسات كاميرات القنوات الفضائية صوراً لمئات من جنود المقاومة يهبطون بالمظلات ذات المحركات البدائية التي تم تصنيعها داخل القطاع في ظل الحصار المضروب على غزة الذي ظلت تمارسه دولة الكيان الصهيوني منذ الإنتفاضة الشعبية .
وشاهد العالم صوراً للسيارات العسكرية والمدنية داخل اسرائيل وهي تحترق، والإصابات وسط المستوطنين، فضلاً عن أسرى بأعداد كبيرة من الجنود والمستوطنينن، وهروب آخرين للملاجئ.
سيطر مقاتلو القسام على أربعة عشر مستوطنة خلال ساعات معدودة، وأسروا المئات من جنود الإحتلال والمستوطنين، وقتلوا عدداً قارب المئتين وخمسين وأسروا عدد فاق الألف ومائة شخص (حسب التصريحات الرسمية للإسرائيلين) .
كما إستطاع المقاتلون سحب بعض الأسرى والقتلى إلى داخل القطاع، كما إحتجزوا عدد من الأسر داخل المستوطنات التي تدفق نحوها عدد كبير من سكان غزة، بعد تحرير المعابر والحواجز الإسرائيلية، علاوة على إستلام مركبات للمستوطنين ربما لاستخدامها في عمليات إختراق لمستوطنات أخرى، كما تم حرق بعض الدبابات والمدرعات بالقصف المدفعي وبالهجوم المباشر، وأسر من كان فيها من العساكر في مشاهد تم نقلها عبر الفضائيات .
أفقد الهجوم دولة الكيان الصهيوني توازنها، وبالتالي كبريائها وغطرستها، وشكل صدمة لسكانها، نسبة للإخفاق الأمني والإستخباري، وفشل منظومات المراقبة الالكترونية في منع الهجوم أو التنبؤ به، لا سيما بعد وصول الصواريخ الى مدينة القدس والى العاصمة تل أبيب .
طوفان 7 أكتوبر لن يعفي المسؤولين الإسرائيلين من المساءلة مهما كانت مواقعهم سواءاً كانت عسكرية أوسياسية ،كما تصرح المعارضة التي تتحين الفرص للإنقضاض على حكومة بنيامين نتياهو اليمينية المتطرفة، وأعلن زعيمها استعداده لتشكيل حكومة طوارئ. القبة الحديدية توقفت بشكل كامل من هول المفاجأة لساعات، وتعطلت أجهزة الإنذار بصورة شبه كاملة لكثافة رشقات الصواريخ، كما لم يفق الإعلام الإسرائيلي إلا بعد ساعات من الهجوم، معلناً عن إجتماع أمني للحكومة نتنياهو بعد إنتهاءه بحوالي أكثر من ساعة .
صرح رئيس الوزراء في الإجتماع بأنهم في حالة حرب شاملة، وتوعد بردود فعل كبيرة تجاه غزة، وأعلن أن أولويتهم تتركز على حسم المعركة مع المسلحين على الأرض، وتطهير المستوطنات منهم. وكرد فعل متوقع شن جيش الإحتلال هجمات جوية في قطاع غزة، أقتصرت على قصف لمواقع لحماس وبعض الأبراج، في الوقت الذي تنتشر فيه جثث المستوطنين في شوارع بلدة سيديروت جنوب اسرائيل، في مشاهد مروعة للاسرائيلين .
ويتوقع المراقبون أن تقوم إسرائيل باغتيالات لقيادات من حماس وحركة الجهاد الإسلامي، أوتقوم بعمليات برية محدودة مثل ما شهدته غزة في حرب الـ (54 يوم) 2014م ، كما شهدت غارات جوية في الأعوام 2008م – 2012م – 2019- 2022م].
إتخذت حكومة دولة الكيان قرارات منها:
1/ إغلاق مطاراتها ومجالها الجوي، وإخلاء قواعدها الجوية في غلاف غزة.
2/ إغلاق المعابر تجاه الأردن خوفاً من إشتراك مقاتلين من دول أخرى معادية، وهذا ما حذر منه الرئيس الأمريكي جو بايدن.
3/ إعلان التجنيد في جيش الاحتياط.
4/ إعلان حالة التأهب القصوى.
لأول مرة تقوم فصائل المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي) بتحديد توقيت وميدان المعركة وهي تدرك كل مآلات المعركة وردود الفعل الإسرائيلية والعالمية تجاه ما حدث، حيث تحظى دولة الكيان بتأييد وحماية أمريكا ومجموعات الضغط في الدول الأوربية والصهاينة في كل العالم. مع الأستعداد لكافة السناريوهات والقدرة على التصدي لأي هجوم لإمتلاك المقاومة زمام المبادرة لما لديها من نقاط قوة تستطيع من خلالها تحقيق أكبر المكاسب، ألا وهي أسرى القوات الإسرائيلية والرهائن المدنيين وإتخاذهم دروع بشرية في بعض المستوطنات التي سيطرت عليها .
ومن الواضح أن حماس قامت بتطهير صفوفها من أي إختراق مخابراتي إسرائيلي، حيث قامت بمباغتة إسرائيل بهجوم هو الأول من نوعه وفي عقر مستوطناتها دون أن يكون لها أي علم به. وبالتالي لن تكون الأوضاع بعد طوفان 7 أكتوبر كما كانت عليه قبل ذلك، وربما حققت الفصائل نصراً سياسياً وعسكرياً مرغ أنف الكبرياء الصهيوني في التراب .

Exit mobile version