أخر الأخبار

عود الثقاب الذي أشعل الحريق (1 – 3)

بقلم : الباحث الأكاديمي
الدكتور / طاهر موسى الحسن
Tahermusa2010@yahoo.com

مقدمة :
سطعت شمس يوم السبت الرابع والعشرين من شهر رمضان 1444هـ الموافق 15 إبريل 2023م على العاصمة السودانية الخرطوم ، كاشفةً عن مظاهر إنتشار عسكري كبير لقوات الدعم السريع بزيها المعروف، مدججة بكافة أنواع الأسلحة على متن عربات الدفع الرباعي وناقلات الجند الكبيرة، في وقت كان سكان العاصمة يتهيئون لإستقبال عيد الفطر المبارك، ويعِدُ بعضهم العُدة لمغادرتها لقضاء أيام العطلة وسط الأهل والأحباب في الولايات المختلفة .
ولكن زخات الرصاص ، وإنفجار الدانات ، وأزيز الطائرات الحربية سرعان ما غطى سماءها ، معلناً بداية الحرب التي كانت تلوح في الأفق، والتهديد بها نغمةُ ، حيث قرعت طبولها ، و التحذير منها أصبح تلويحا معلنا يسيطر على الساحة السياسية
(الإطاري أو الحرب)
من قبل قادة تلك القوات وداعميها من قيادات قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي) طوال الأيام التي سبقت ذلك التاريخ ، وكانت الحجةُ رفض الجيش تنفيذ وثيقة الإتفاق الإطاري التي وقعت عليها (قحت المجلس المركزي) مع المؤسسة العسكرية في (5 ديسمبر2022م) بكل أفخاخها التي وضعها مهندسو الوثيقة ، وأولها عقبة العلاقة بين مؤسسة القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، من حيث التبعية والمدة الزمنية ، لدمجها في الجيش .
إذ ظلت قضية الإصلاح الأمني والعسكري محل خلاف وجدال مستمر بين الأطراف المدنية والعسكرية طوال الفترة الإنتقالية ، إلا أن الجميع كانوا متفقون على ضرورة الدمج ، لا سيما دمج جيوش الحركات الموقعة على إتفاقية سلام جوبا، وكذلك قوات الدعم السريع في الجيش الوطني الواحد، من أجل مؤسسة عسكرية واحدة ، ذات عقيدة موحدة ، تؤدي مهامها في حماية الدستور وحدود البلاد ، إلا أن تباين وجهات النظر بين الأطراف المختلقة كان حول الطريقة والكيفية والمدة الزمنية التي يتم فها هذا الدمج .
ومن الأسباب التي عمقت الأزمة الراهنة أيضاً، حالة الإنقسام والتوهان الذي عاشته البلاد عقب نجاح ثورة ديسمبر 2018م، ومظاهر (العسكرة) التي شهدتها الخرطوم بتواجد قوات حركات الكفاح المسلح، نتيجة توقيع إتفاق سلام جوبا، وقبلها قوات الدعم السريع التي تم إستدعاؤها، وبأعداد كبيرة إبان تصاعد المظاهرات ضد حكومة الإنقاذ، ولم تعد إلى معسكراتها في دارفور كما كان يفترض لها ، فضلاً عن تدخل السفارات الأجنبية في الشأن الداخلي والذي بات مكشوفاً منذ بداية الثورة وبالتالي أصبح تواجد الدبلوماسيين الكثيف وسط الثوار أيام إعتصام القيادة العامة منظراً مألوفاً ، وكذلك تواصلهم مع الأحزاب السياسية وبشكل علني، كتحدى ماثل إلى يومنا هذا، مع تباطؤ المجلس العسكري حينها، والحكومات اللاحقة، في حسم مثل هذه الظواهر الشاذة في العرف الدبلوماسي .
المواقف الداخلية
1/ لم تكن بوادر الأزمة المنذرة بالحرب خافيةً على المتابعين للشأن السياسي السوداني منذ تغيب قادة الجيش والشرطة والأمن عن الجلسة الختامية لورشة الترتيبات الأمنية والعسكرية (إحدى ورش الإتفاق الإطاري)، إحتجاجاً على عدم تضمين مقترح الوفد العسكري بإدماج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، حيث خُتمت الورشة بدون تلاوة توصياتها الختامية شأن كل الورش، وإتهم فيها الوفد العسكري الآلية الثلاثية وأطراف الإطاري من المدنيين بالتماهي مع قوات الدعم السريع بتجاهلها مقترحاته فيما يخص فترة الدمج التي حددها بعامين، إضافة لتجاهل مقترح وقف عمليات التجنيد الجديدة للدعم السريع، ومطالبته بعودة المادة التي تنص على تبعية تلك القوات للقوات المسلحة، لتوحيد قيادتها تحت إمرة الجيش الوطني، ولكن تماهي المدنيين مع ممثلي الدعم السريع تسبب في تعنتهم، وألقوا باللائمة على وفد القوات المسلحة ، محتجين بعدم إلتزام الوفد العسكري بما ورد في مسودة مبادئ وأسس الإصلاح الأمني والعسكري ، والتي حددت عشر سنوات للدمج (حسب مقترحهم)، مشيرين إلى قبول قيادة القوات المسلحة على مبدأ مناقشة فترة الدمج من قبل.
2/ لم يكن رفض القوات المسلحة لمخرجات ورشة الإصلاح الأمني والعسكري وحده سبباً كافياً لرفض الإتفاق الإطاري، إذ أجمعت أغلب قطاعات الشعب السوداني على ذلك لأسباب متباينة، مما جعل الإتفاق فاقداً لصفة التوافق والإجماع الوطني، ولكن ما أجمعت وإتفقت عليه الأطراف المختلفة إلا (القليل) هوغرابة بنود الإتفاق على قيم ومعتقدات وعادات وموروثات الشعب المحافظ ذوالأغلبية المسلمة ، لا سيما وأنه فُرض من الخارج ، [الإستعانة ببيت خبرة أجنبي من جنوب إفريقيا]، كما تناقلت مجالس داعميه ، في إنتهاك صارخ للسيادة والإستقلال الوطني بهدف التغول على القرار السياسي، والسيطرة على موارد البلاد وإمكانياتها التي يسيل لها لعاب القوى الأجنبية المتربصة .
2/1 المحافظين من القوى الإسلامية والتقليدية من إدارات أهلية وطرق صوفية وطوائف دينية ، رات في نصوصه طمساً لهوية الشعب ، وفتح الأبواب نحو صناعة هوية جديدة ،لاسيما وأن الإتفاق تجنب في بابه الأول أن يذكر أن السودان دولة (عربية إفريقية)، وتجاهل ذكر اللغة الرسمية للبلاد ، كما رفضوا إعتبار المواثيق الدولية جزءاً من الدستور، سيما التي تختص بقضايا الجندر وسيداو والمثلية والإجهاض … إلخ ، [موقف ناظر الجموعية / مبادرة الشيخ الطيب الجد نموذجاً].
2/2 أهل شرق السودان رغم خلافاتهم الداخلية ولكنهم أجمعوا على رفض الإطاري أسوةً بأهل الوسط والشمال وكردفان والنيل الأزرق وبعض ولايات دارفور، فضلاً عن رفضهم لمسار الشرق في إتفاق جوبا وخلافهم مع (قحت – المركزي) التي ناصبتهم العداء منذ وقت مبكر.
2/3 حركات الكفاح المسلح الموقعة على إتفاق جوبا مثل حركة العدل والمساوأة (جناح جبريل)، وحركة تحرير السودان (جناح مني أركو) وحركة تحرير السودان (جناح مصطفى طنبور)، جاء رفضهم للإتفاق لأنه يمكن لغريمهم التقليدي (الدعم السريع) بإقامة دولة العطاوة (والعطاوة هم مجموعة من العرب الذين يعيشون في دول إفريقيا جنوب الصحراء والجنوب الليبي) ويعتبرون إمتداد إثني وعرقي لعرب دارفور وكردفان من الرزيقات والمحاميد والمسيرية والبني هلبا والتعايشة والحوازمة، وأن فترة العشر سنوات فترة كافية لتمكينهم من تغيير التركيبة السكانية والجيوسياسية في دارفور، بإستقدام عرب الشتات، بالرغم من إنضمام بعض أبنائهم للدعم السريع من أجل التوظيف والتكسب المادي ، ولكن ظلت تخوفاتهم في محلها ، وترى حركات دارفور والحركة الشعبية شمال (جناح مالك عقار) في الإتفاق إجحاف وظلم يقع على المكون الإفريقي في السودان ، لا سيما وأن هناك معلومات تفيد بتجنيس الدعم السريع لعدد كبير من الأجانب من دول الجوار الأفريقي (الإمتداد العرقي للعطاوة)، ومنحهم الرقم الوطني، بالرغم من أن سلطة التجنيس سلطة سيادية لرأس الدولة .
2/4 الأجسام المستنيرة مثل نقابة المحامين المنتخبة، والإتحاد العام الصحفيين السودانيين، وعدد من احزاب الوسط واليمين، وبعض أحزاب اليسار كالحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث العربي وكل الأحزاب السلفية، ناهضت الإتفاق الذي هندسه المبعوث الأممي فولكر بيرتس في البدء مع (اللبراليين الجدد)، تحت مظلة لجنة تسير نقابة المحامين التي تم تشكيلها من قبل حكومة قحت، ولم تعتمدها المحكمة العليا، وحكمت لصالح النقابة المنتخبة، حكم نهائي غير قابل للنقض، ومن ثم تم تطويره بشكله الأخير، ووقع عليه المكون العسكري مع بعض أحزاب قحت، وهذا الخط مدعوم من الحزب الديموقراطي الأمريكي والإتحاد الأوربي، وهو مشروع يتبنى توطين القيم الغربية في البلاد الإسلامية عموماً .
نواصل غدا …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى