بسم الله الرحمن الرحيم
معالي السيد/ احمد ابو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية،
معالي الدكتور عصام شرف رئيس مبادرة نبض العرب لاسناد السودانيين المتأثرين بالحرب،
معالي الدكتور كمال حسن علي الامين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية،
اصحاب السعادة مديري ورؤساء الاتحادات العربية المتخصصة،
الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا شك أنكم تعلمون ما تتعرض له بلادي منذ الخامس عشر من أبريل 2023 من مخطط تآمري كبير إثر تمرد مليشيا الدعم السريع على الدولة، والحرب الشاملة التي شنتها هذه الميليشيا على الشعب السوداني وما أعملته في البلاد من قتل ونهب وإغتصاب وتدمير. منذ ذلك التاريخ ظلت هذه الميليشيا البربرية تمارس في الشعب السوداني وممتلكاته ومقدراته أسوأ الممارسات، وترتكب في حقه ما لم يفعله التتار في بغداد، وما لم نقرأه في كتب التاريخ حديثه وجديده. لقد ارتكبت هذه الميليشيا المتمردة انتهاكات فظيعة وجرائم بشعة ضد الشعب السوداني بكامل فئاته، وعاثت في الارض فسادا وتقتيلا ونهبا واغتصابا، مرتكبة جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بما في ذلك التطهير العرقي، مما حدا بالمحكمة الجنائية الدولية الى فتح تحقيق حول هذه الجرائم، كما قررت الولايات المتحدة أخيرا فرض عقوبات ضد قادتها مما يشي بأن المجتمع الدولي بأسره قد بدأ يفهم الآن طبيعة هذه الميليشيا الدموية الارهابية وأبعاد مخططها التدميري في السودان والمنطقة وزيف وادعاءات قادتها.
ما يزيد عن خمسة أشهر مرت منذ بداية التمرد في الخامس عشر من أبريل والميليشيا سادرة في حملة تدمير ممنهجة تستهدف مؤسسات الدولة ومرافقها وهياكلها الاقتصادية والخدمية. دمروا المستشفيات ومرافق الخدمات ومنازل المواطنين ودُور المتاحف ومراكز الثقافة والوثائق التاريخية، وتسببوا في فقدان الآلاف من الأرواح ووسائل العيش وتدمير الأصول الانتاجية وتعطيل سلاسل التوريد والبني التحتية.
رغم كبر واتساع هذه المؤامرة،إلا أن قواتنا المسلحة السودانية قد تصدت لها بكل بسالة وحزم وأفشلت المخطط الغادر بالاستيلاء بالقوة على السلطة استهدافا للبلاد في عمق هويتها وصلب مقدراتها ومواردها، وذلك رغم الإعداد الكبير الذي جرى في التخطيط والتمهيد لهذا التمرد بقوات فاق عددها الثمانين ألف مقاتل تسللوا بليل إلى الأحياء السكنية والمرافق الخدمية ومؤسسات الدولة الحيوية، واحتجزوا المدنيين الأبرياء رهائن ودروع بشرية.
معالي الأمين العام والحضور الكريم:
إن هذه الميليشيا لا سقف لها ولا وازع في ما ترتكبه من جرائم وانتهاكات ولزام علي هنا أن أنوه إلى محنة انسانية كبرى يتعرض لها الآلاف من المواطنين السودانيين المحتجزين والمختطفين والأسرى لدى الميليشيا تحتفظ بهم كدروع بشرية في مراكز اعتقال جماعي تفتقر الى ابسط مقومات الحد الأدنى وأساسيات التعامل الانساني اللازم توفرها في مثل هذه الحالات.. إن الغالبية العظمى من هؤلاء المحتجزين والأسرى هم من المدنيين الأبرياء ولم يكونوا مقاتلين. بعضهم اختطف من منازلهم وآخرون كانوا بمجرد الصدفة أو الحظ العاثر في مناطق دارت فيها اشتباكات أو تلك التي تقيم فيها المليشيا نقاطا للتفتيش. وتستخدم الميليشيا هؤلاء المحتجزين والأسري دروعا بشرية بينما تعرضهم للتجويع والحرمان من العلاج فضلا عن التعذيب الجسدي والنفسي وبعضهم قد قضى نحبه جوعا ونقصا في الأدوية والعلاج وأخرون جراء التعذيب الجسدي الوحشي.
لقد تسببت جرائم الميليشيا المتمردة في أنهاك وتدمير النظام الاقتصادي في البلاد بشكل غير مسبوق من حيث تدهور البنى التحتية وانهيار بيئة الاقتصاد الكلي، وزيادة نسبة التضخم مؤخرا مما ادى الى ارتفاع الاسعار وندرة السلع بعد أن تم تدمير المصانع ووسائل الانتاج المختلفة التي تعود ملكيتها للمواطنين السودانيين.
وفي هذا الصدد تفيد دراسة قامت بها “مجموعة العمل الفنية الاتحادية والمجموعات الولائية” في السودان بالتعاون مع بعض الوكالات المتخصصة، أن حوالي 20.3 مليون شخص يمثلون 40% من جملة السكان تقريبا، هم حاليا في وضع الأزمة او وضع الطواريء، منهم حوالي 8.6 مليون شخص يحتاجون الى اجراءات عاجلة لانقاذ حياتهم وسبل عيشهم.
لقد ادى اندلاع التمرد في ابريل الماضي الى ركود الاقتصاد بشكل عام وشلل النظام المالي والمصرفي، مما أثر على التجارة الداخلية والخارجية وعطل سلاسل التوريد. يمكن أن نورد أدناه باختصار جانبا من الأضرار الاقتصادية التي تسبب فيها تمرد الميليشيا بحسب تلك الدراسة:
· تعطيل النظام المصرفي.
· تعميق الحالة الانسانية العامة في البلاد واعاقة ايصال المساعدات بسلاسة.
· نزوح المواطنين من منازلهم ومدنهم الى الولايات الأخرى والى خارج السودان. حيث أدت جرائم واعتداءات الميليشيا في كل من الخرطوم ودارفور الكبرى وكردفان الكبرى، الى نزوح ما يقدر بحوالي 2.6 مليون شخص ولجوء حوالي 740 ألف الى دول الجوار. واسمحوا لي هنا أن أعبر عن خالص تقديرنا لموقف الشقيقة مصر التي فتحت أبوابها، وقبل ذلك قلبها، لاستضافة مئات الآلاف من السودانيين الذين لجأوا اليها حيث يجدون ترحابا كبيرا من اخوتهم المصريين.
· تدمير البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المرافق الصحية والمدارس ومصادر الطاقة والمياه والاتصالات السلكية واللاسلكية.
· النقص الحاد في المواد الغذائية وغير الغذائية الأساسية في جميع انحاء البلاد بسبب النهب الواسع للأسواق والبنوك والصناعات والمباني العامة والمخازن.
· ارتفاع اسعار المواد الغذائية واضطراب الأسواق المحلية بسبب ضعف القدرة الشرائية.
· وقف أنشطة كسب العيش وما تسبب فيه ذلك من تعطيل للانتاج الزراعي والانتاج الحيواني كذلك.
إن هذا العدوان الممنهج على البلاد قد تسبب في وقف وتدمير وسائل كسب العيش وخلق حالة عطالة عامة في الخرطوم العاصمة وأجزاء من ولايات دارفور الكبرى وكردفان الكبرى. ونشأت عن هذا الوضع حالة من الكساد العام أدت الى تعطيل دورة الانتاج الزراعي والحيواني وتوقف حلقات التواصل الخلفية والأمامية في العمل الصناعي. وعلى سبيل المثال، فإن ما ينتج عن نقص في انتاج الموسم الزراعي الحالي سيؤدي، ليس فقط الى افقار المزارعين الذين يعتمدون على الزراعة في حياتهم كمهنة اساسية، بل سيعني أيضا تفاقم الحالة الانسانية في العام القادم بسبب ضعف المخزون الاستراتيجي من الغذاء والحبوب. وأرجو في هذه السانحة أن اعرب عن عميق تقديرنا لمعالي لسيد الأمين العام لجامعة الدول العربية على مبادرته الكريمة انقاذ ودعم الموسم الزراعي في السودان والتي يجري العمل على تنفيذها بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الزراعية.
عليه، واضعين كل هذا في الاعتبار، فإن هناك حاجة ماسة للتحرك بشكل سريع، حسب ما أوصت الدراسة التي أشرنا اليها في صدر حديثنا هذا، لتقديم الدعم في العديد من المجالات الحيوية بالتركيز على: تفعيل شبكات السلامة والضمان الاجتماعي، توصيل المساعدات الانسانية للمحتاجين الأكثر تضررا بشكل مباشر، العمل مع المزارعين بشكل مباشر لتحسين الانتاج والانتاجية من خلال دعم صغار المزارعين بالتفانات المتوسطة وكذلك توفير التمويل الأصغر، دعم الاسر المتأثرة بتعطل سبل كسب العيش، دعم مراكز التغذية والمراكز الصحية، تنفيذ مشاريع حصاد المياه. كما أنه من المهم العمل على ضمان تدفق التحويلات الخارجية من السودانيين المقيمين بالخارج ومساعدتهم في استنباط وسائل جديدة للتحويل في ظل تعطل النظام المصرفي الذي تعرض لتدمير ممنهج ومتعمد من الميليشيا.
معالي الأمين العام والحضور الكريم:
لقد وقعت حكومة السودان على اعلان جدة الانساني في 11 مايو ومبادرة الهدنة الإنسانية التي تقدمت بها حكومتا المملكة العربية السعودية الشقيقة والولايات المتحدة الأمريكية، من باب الحرص على فتح الممرات الإنسانية لحماية المدنيين وتقديم الإحتياجات الأساسية لهم، وقد أوفت الحكومة بالتزاماتها المنصوص عليها في الاعلان، ولكن المليشيا المتمردة لا تزال سادرة في إنتهاكاتها الجسيمة لكل مبادئ القانون الإنساني والقانون الدولي ولم تلتزم حتى بالخروج من المناطق المدنية ودور السكن والمرافق الخدمية كما تُوجب عليها إلتزاماتُها في إعلان مبادئ جدة.
إن حكومة السودان تعمل بشكل جاد ومتصل على عودة الإستقرار والسلام والأمن إلى السودان، وبينما يستمر التصدي عسكريا للتمرد ودحره بشكل متسق، فإن الحكومة أعلنت أكثر من مرة أنها ترحب بالمبادرات الإقليمية والدولية الساعية إلى تحقيق الحل السياسي ما دامت هذه المبادرات تستند على ثوابت سيادة البلاد ووحدة أراضيها وصيانة مؤسسات الدولة القومية بإعتبارها صمام الأمان ورمز القومية والشرعية.
ويتوجب علي في هذا السياق أن اشير إلى ترحيب السودان بقمة دول الجوار التي دعت لها وإستضافتها الشقيقة مصر في 13 يوليو وما صدر عنها من بيان ختامي وتشكيل الآلية الوزارية التي إجتمعت في تشاد في السابع من أغسطس الماضي ثم الاسبوع الماضي في نيويورك، ويتطلع السودان إلى ما تتمخض عنه أعمال هذه الآلية من نتائج وخلاصات.
إن حكومة السودان – عبر السفارة في القاهرة ومندوبيتها لدى الجامعة العربية – منفتحة على كل الجهود التي ترمي الى دعم السودان والشعب السوداني في هذا الظرف الخطير، ويطيب لي أن أتقدم بالشكر والتقدير للاخوة والاخوات القائمين على مبادرة نبض العرب لاسناد السودانيين التي يرعاها معالي الأمين العام للجامعة ويترأسها معالي السيد عصام شرف ونائبه سعادة السفير كمال حسن علي ورفاقهم في المبادرة الكريمة على ما يبذلونه من جهود مقدرة تستهدف دعم الشعب السوداني في الخارج وفي الداخل. ونتطلع إلى العمل مع الاتحادات المتخصصة التي تكرمت مشكورة بتلبية دعوة معالي الأمين العام لهذا الاجتماع في مشروعات داعمة للشعب السوداني وللسودانيين الذين لجأوا الى الشقيقة مصر مؤخرا.
معذرة للإطالة، مع تمنياتي الأكيدة لجمعكم هذا بكل التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..