الخرطوم الحاكم نيوز
الحرب المدمرة ستكون آخر أحزان السودان و بداية عهد النهضة الحقيقي إذا استطعنا فهم مطلوبات بناء الدولة الحديثة.. الشعارات والهتافات الثورية لا تبني بلداً ..وحدها الرؤية الحصيفة والخطط الإستراتيجية الذكية ما يحقق ذلك.
يقول الله سبحانه وتعالى ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لايخرج إلا نكدًا )
هذه الآية فيها مفاتيح الإصلاح السياسي للسودان..
الآية الكريمة تربط نتاج الإصلاح بالبيئة السياسية وليس الأشخاص..
(البلد) State هو منظومة تتكون من مثلث، ضلعه الأول : المؤسسات ( Hardware ).
والثاني : التشريعات ( Software ) والثالث : الإنسان ( Humanware)،
ولا حاجة للتفصيل في أهمية الأضلاع الثلاثة.
الإصلاح عملية بنائية Structural بمعنى انها لا تنهض على عوامل جزئية متناثرة كقصيدة اعتنى الشاعر بتجويد كل بيت فيها دون رابط بين الأبيات في صورتها الكلية.
بنائية تعني تركيب الأجزاء وفق نسق كلي متدرج محكم يضبط الخواص الفرعية حسب موضعها المعد مسبقا وفق العلاقات الرأسية والأفقية. أشبه بإحراز الأهداف في مباراة كرة القدم ، بناء الهجمة يبدأ بصورة مرحلية متدرجة إلى أن تصل مرمى الخصم. صورة كلية لها هدف نهائي لا يتحقق إلا وفق بناء هيكلي مرتب.
( البلد الطيب) ليس اسماً لبلد محدد بل معايير و مواصفات لبيئة متكاملة،دولة القانون والعدالة التي ترفع من قيمة الإنسان و توفر له الأمن والعيش الكريم .
هذا البلد الكريم لا يحقق شروط ( الطيب) إلا عبر العوامل الثلاثة التي يجمعها المثلث سالف الذكر.
الأول – بناء المؤسسات :
وهو الخطوة الأساسية ، لأن البلد هو قوام متناسق تحفظ توازنه المؤسسات بشكلها المعياري المتدرج..
في الدولة الحديثة ثلاث مؤسسات مستقلة لكنها متكاملة ، السلطة التنفيذية و القضائية و التشريعية.
في حالتنا السودان نضيف إليها سلطة رابعة هي ( سلطة التخطيط الاستراتيجي).
تنحدر من هذه السلطات القياسية العليا، مؤسسات متدرجة بنسق معلوم ومحدد بدقة. مع الالتزام بمبدأ توازن السلطات Checks and balances
فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة. كل سلطة تراجع الأخرى وتضبط حدودها.
كلمة (الطيب) هي جماع صفات الرشد في مسلك وقوام الدولة.
الثاني- التشريعات:
القوانين المنظمة للعمل المؤسسي والفردي، والعلاقات الأفقية و الرأسية والمسؤولية و المحاسبة، والحركة والسكون. التشريعات بمثابة البرمجيات(سوفتوير) التي تحرك الكمبيوتر .
الثالث – الانسان :
و هو الغاية والوسيلة في تكوين الدولة.
“البلد الطيب” يستوفي الرشد الذي لا ينتج إلا (طيبا)، أفضل عائد لصالح الإنسان.
أما إذا لم تتحقق شروط (البلد الطيب) فهو “بلد خَبث” (والذي خبث لا يخرج إلانكدًا
يكابد الأزمات والعيش (النكد).
(البلد الخبث) هو الذي تديره قيادات سياسية عاجزة عن الرشد ومتفانية في خدمة ذاتها..
تتصارع وتتقاتل منذ الاستقلال للاستحواذ على السلطة بلا هدف أو رؤية.. فتقتل أكثر من 30 ضعف من قتلهم الأجنبي منذ معركة كرري حتى غادر صباح الأول من يناير 1956.
علينا أن نصنع “البلد الطيب” الذي يخرج نباته طيباً بإذن الله.
** حديث المدينة الثلاثاء ١٩ سبتمبر ٢٠