
دينيون من أجل السلام والتماسك الاجتماعي
مهند الامين أحمد
يتجلى لنا ذلك المشهد فى تلك الخطبةِ الجامعةِ المانعة التي خطبَها الرسول عليه الصلاة والسلام على صعيدِ عرفات ، في عدد من الصحابة وقد التفوا حولَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام فكانَ لقاءً مشهوداً بين أمَّةٍ وقائدها ، هو الرائد الأول لحقوق الإنسان، فرسالته التي حملها للعالمين جميعا رسالة إنسانية ، شملت برعايتها جميع الحقوق التي تتعلق بالإنسان من حيث هو إنسان.وقد تطرقت خطبة الوداع إلى جوانب مهمة من حياة الإنسان ، ووتجسد تلك الانسانية حينما وقف لجنازة يهودي احتراما لإنسانيته ، وجعل من نفسه خصما لكل من يؤذي ذميا , بل ان الإعلان العالمي للامم المتحدة لحقوق الإنسان ترديد لتلك الوصايا النبيلة التي تلقاها المسلمون عن رسول الإنسانية.
لقد رسمت للبشرية منهج حياة ومبادئ دائمة لا تتغير ولا تتبدل عبر العصور والأزمان .
تأتي على رأس حقوق الإنسان والمحافظة على آدميته حرمة دمه ، وهذا ما أكده عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع بقوله: ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : اللَّهُمَّ اشْهَدْ) إن الإسلام لا يرضى بأي حال من الأحوال بسفك الدماء ، ويُحرِّم قتل النفس البشرية ، قال تعالى: { منْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
إن المسلم في متسع ، ولكن حينما يقترب من الدماء ويعتدي على البناء الذي بناه الله سبحانه وتعالى وهو الإنسان يكون قد ضيَّق الخناق على نفسه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) .
ومن المبادئ الإنسانية الهامة التي أرست قواعدها خطبة الوداع حرمة انتهاك الأعراض واستباحتها بالقيل والقال والقذف ، ولقد أعلن النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا المبدأ في خطبة الوداع ، قَالَ : فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) وللإسلام عناية عظيمة بالأعراض فقد صانها وحرم الاعتداء عليها بالإيذاء ، بالقذ أو بالغيبة أوبالنميمة .
المرأة لها نصيب في خطبة الوداع فالنساء شقائق الرجال ، كما أخبر الصادق (صلى الله عليه وسلم) ، ومن ثم جاء في الإعلان عن حقوق المرأة في خطبة الوداع ما رواه جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما) أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال: ( فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) هكذا اهتم الإسلام بالمرأة أما و أختا و بنتا و زوجة وجعل لها من الحقوق ما يكفل سعادتها في الدارين ويصونها ويحافظ على كرامتها وإنسانيتها
.
كذلك يتجلى في خطبة الوداع مبدأ المساواة بين جميع أفراد الأمة كحق إنساني يحافظ على كرامة الفرد في الأمة ، ويجعل معيار التفاضل هو التقوى والعمل الصالح ، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ٌ}.
ما أجدر بنا أن نقف أمام هذا الهدي النبوي المتمثل في هذه الخطبة الجامعة المانعة التي جمعت في ألفاظها ومعانيها الخير كله للبشرية جمعاء ، و أرست قواعد حقوق الإنسان . وهي أعظم وثيقة رائدة في مجال حقوق الإنسان، رسمت المبادئ والقيم الأساسية الإنسانية للأمة جمعاء.
#لا للحرب نعم للسلام
#لا لخطاب الكراهية نعم للتسامح