دكتور محمد يوسف إبراهيم يكتب : من يسائل فولكر ويحاسبه؟

العلماني العجوز صاحب النظارات البيضاء فولكر بيرتيس يعد ثعلبا من ثعالب الأمم المتحدة التي صالت وجالت في أروقة الكثير من دول العالم خاصة في أوقات الكوارث والأزمات التي تتصل بالحروب
بدأ فولكر عمله بالأمم المتحدة في العام 2015 حيث تم تعيينه مساعدا للأمين العام ثم كبير مستشاري المبعوث الخاص للأمم المتحدة بسوريا بما في ذلك رئيس مجموعة الدعم الدولية لمجموعة العمل المعنية بوقف إطلاق النار نيابة عن الأمم المتحدة. حتى العام 2018م
فولكر يعد من الباحثين الأكاديميين حيث انه كان أستاذا مساعدا بالجامعة الأمريكية في لبنان ويحمل درجة الدكتوراة في العلوم السياسية.
في 7يناير 2021 تم تعيينه ممثلا للأمين العام بالسودان ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة السودان في الفترة الانتقالية يونيتامس ومعروف أن البعثة المذكورة تم إنشاؤها بموجب قرار مجلس الامن بالرقم 2524 للعام 2020
بدأ فولكر عمله في عهد رئيس مجلس الوزراء السابق عبدالله حمدوك الا أن فولكر سلك طريقا خاطئا وكان مصر عليه رغم اعتراض الغالبية العظمى من المكونات السياسية في البلاد باعتبار أن الفترة الانتقالية لابد لها من أن تجد إجماعا وطنياً مقدرا يمكن الحكومة من تجاوز العقبات وصولا إلى تفاهمات مرضية لتأسيس مؤسسات الدولة المدنية ايذاناً بالتحول الديمقراطي
الا ان فولكر رفض كل الآراء التي تقدم له وتشير إلى أماكن الخلل ولابد له كرئيس بعثة أممية أن يكون على مسافة واحدة من الجميع خاصة المكونات السياسية إلا أن فولكر اختار أن يتعامل فقط مع مجموعة الحرية والتغيير المجلس المركزي المنبوذة من قبل الشعب والتي تحاول العودة إلى السلطة بطرق ملتوية ويساندها في ذلك هو شخصيا
بدأت التجاذبات بين المكونات السياسية وبما فيهم الحرية والتغيير منذ وقت مبكر إلى أن وصلت لانسداد كامل للافق خاصة بعد وثيقة الإعلان السياسي بقاعة الصداقة والتي أدت في نهاية المطاف إلى قرارات 25 أكتوبر 2021
ومن وقتها ظل فولكر يؤجج الصراع ويصر على إعاقة التوافقات الوطنية المطروحة في الساحة السياسية وغير مستعد للتعامل الا مع حلفاؤه من قحت سيما فيما يتعلق بالفترة الانتقالية
والجدير بالذكر أن الرباعية الدولية نفسها سارت على ما سار عليه رئيس البعثة الأممية وباتت لا تصغي الا بإذن واحدة ومخصصة للاستماع إلى قحت فقط وليس غيرها
تسميم الأجواء وخلق الانقسامات الداخلية كلها كان وراؤها فولكر ومن معه بغية تفتيت القوى الأخرى كي تخلو لهم الساحة وينفردوا بكل شيء بما في ذلك القرار السياسي والتحكم في مستقبل السودان وشعبه
ومن خلال كل ذلك اتضح جليا وبما لا يدع مكاناً للشك أن فولكر كان يخطط لتسليم السلطة لقحت وحدها باعتبار أنها من أشعلت الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير والآخرين لا علاقة لهم بالثورة عدا جزء من مكونات أطراف العملية السلمية.
فولكر ومن معه كانوا مصرين على تمرير الاتفاق الإطاري غير المتفق حوله والذي في نهاية الأمر اوصل السودان الى الحرب التي تدور الآن
وبالتالي فولكر يعد فاعلاً أساسيا في كل الأحداث الأخيرة بالسودان سياسية وعسكرية وما خلفته من آثار اجتماعية كارثية نتجت والتي تمثلت فى إزهاق الأرواح ومئات الجرحى والمصابين إضافة إلى تشريد الملايين مابين لاجئي ونازح.
ايام نقاشات ورش الإطاري كانت الحكومة تحذر من مغبة أن تندلع حرب شعواء بالبلاد لأن الذي يحدث إنما هو استهداف واضح للقوات المسلحة لأن الإطاري كان يتحدث عن الإصلاح الأمني الذي يعني به في الدرجة الأولى تفكيك الجيش السوداني وحله وذلك يعد من الأمور الخطيرة والتي ينبغي ارجاعها لحكومة منتخبة وبرلمان منتخب لأنها تتعلق بالامن القومي والسيادة الوطنية غير أن فولكر والرباعية وقحت كانوا عازمون على المضي قدما في تنفيذ مخططاتهم تلك دون الإصغاء إلى الأصوات الأخرى فضلا عن طرح ما عرف بدستور المحامين المستورد مجهول الهوية الذي تبناه فولكر وفرضه على الجميع.
في الوقت الذي كانت فيه الأوضاع تغلى وتشتعل وترتفع فيها درجات الخطورة كان فولكر لا يأبه بشيء حتى وقعة الواقعة واندلعت الحرب
فر بعدها هو ومن معه إلى خارج البلاد تاركين وراؤهم الشعب السوداني يرزح تحت نير الحرب ووطأتها
بعد السلوك غير المقبول والمتمادي من المبعوث الأممي فولكر اضطرت الدولة متمثلة في رئيس مجلس السيادة إلى أن تطلب من رئيس الأمم المتحدة تغييره بشخص آخر لأنه بات غير مرغوب فيه وأوضحت حكومة السودان وقدمت كل المبررات الموضوعية لطلبها واودعت ذلك أمام الأمين العام وهذا حق مشروع لايما دولة ذات سيادة في أن تحافظ على سيادتها الوطنية وأمنها القومي وان المبعوثين الامميين ما هم إلا موظفون في الأمم المتحدة يتم ارسالهم بغرض تقديم العون والمساعدة والمشورة في الإطار المقبول وموافقة الدول المعنية وفي حالة انحراف المسؤل الأممي فمن حق الدولة رفضه ولفت نظره ونظر الأمم المتحدة وصولا إلى طرده من البلد بصورة مباشرة وليس في ذلك مشكلة.
السودان وبرفضه للسيد فولكر مارس حقه السيادي فقط ولم يكن الإجراء الأول وسوف لن يكون الأخير بالتأكيد
صحيح السودان ليس جزيرة معزولة عن محيطه الإقليمي والدولي والعالمي إنما يمثل عضوا فاعلا في المنظمات المختلفة وبالتأكيد في حوجة لوقوف العالم معه ولكن ينبغي أن يكون ذلك وفقا للمصلحة العليا للبد وليس على سبيل الضغط ولي الذراع كما فعل فولكر.
إذاً قدم السودان مرافعاته وملاحظاته حول الرجل وترك الأمر برمته للأمين العام للأمم المتحدة والذي للأسف لم يُعر ذلك اهتماما إنما ظل يتمسك بشخص غير مرحب به فقط تم تعيين السيدة سلامي لتكون نائبة له وظل الرجل في موقعه ويمارس عمله من دولة أخرى.
الأسبوع الماضي وخلال جلسة مجلس الأمن المخصصة للسودان رفض مندوب السودان من أن يقدم فولكر الإحاطة عن دولة السودان وهدد بالانسحاب فورا في حالة الإصرار على فولكر وقد استجيب لطلب السودان وبذلك يكون السودان حقق انتصارا دبلوماسيا كبيرا وان فولكر عمليا لم يعد مبعوثا ولا رئيسا لبعثة الأمم المتحدة بالسودان لكن ذلك ليس مهما إنما المهم هو ضرورة ملاحقة الرجل ومحاسبته على تعديه لسلطاته والتسبب مع آخرين في خلق أجواء العداء بالسودان وايصاله مرحلة خطيرة جدا لا يعرف عاقبتها وبالتالي مطلوب من الدبلوماسيين السودانيين وبعثة السودان في الأمم المتحدة بضرورة البداية الجادة في ملاحقة هذا العجوز العلماني حتى يكون عظة وعبرة للآخرين وحتى يعرف معنى السيادة الوطنية وعدم تخطي الخطوط الحمراء.
وبهكذا يكون السودان قد ساهم في إصلاح منظومة الأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى