
أمل أبوالقاسم
جلست اليهن تتوسطنا قهوة أعدت بحب، ورغم سواد لونها ومسببات إعدادها في هكذا مكان أكثر سوادا إلا ان قلوب الجميع كانت كما بياض السكر الذي يذوب فيها وتذوب معه اوجاعهن ولو إلى حين ذلك رغما عن تبخر أحلامهن وآمالهن أي كانت صغيرة أو كبيرة مع سحائب بخار تلكم القهوة التي تحمل أكثر من عنوان.
هنالك حيث حطوا رحالهم من وعثاء طريق شائك بل دامى ربما قطعوه في نصف يوم أو اقل لكنه بالنسبة لهم طويل وقاسى عبروه مخلفين بؤسا وعذاب اناخ عليهم من حيث لا يحتسبون فجثم على ماضيهم مبددا وحاضرهم مضللا ومستقبل مجهول ومع ذلك اجتمعوا على ضحكة وفنجان قهوة.
كيف لا يضحكن أو يسترخين وقد أمن على الأقل حفظ أرواحهن وأسرهن، كما أمن على عرض بناتهن، مستودعات ديارهن للواحد الأحد الفرد الصمد. وكما تلمست لا يشغلن انفسهن بهذا الأمر كثيرا طالما انه حال جل البيوت المعتدى عليها رغم ضياع شقى العمر وقد بات هباء منثورا ومع ذلك كأنهن اكتفين بما غنمن من سلامة الروح والجسد والعرض وطالما انهم يجتمعون وأسرهم في مكان آمن يكفيهم شرور مليشيا الدعم السريع التي استباحت البيوت فقتلت،وسحلت، وشردت و اغتصبت. لا يهم حتى وان توسدن الأرض وابناؤهم حولهم وبناتهم في حرز أمين
في طريقى لمحت بناتهن مجتمعات داخل غرفة ( فصل) وقد انخرطن يتصفحن الهواتف. ربما يتابعن كغيرهم ما يفعله الجنجويد بالخرطوم وعدد من الولايات. ماذا نهبوا ومن قتلوا وكيف تصدى لهم الجيش؟. كذلك ربما طفقن يبحثن عن أثر للجامعات أو الامتحانات. وكذا ربما شغلن ببنات جنسهن ما ان كن نجون من دنس المليشيا أو وقعن في مستنقعها الآسن مغدورات، أو او أو .. وغير ذلك مما يشغل مخيلة اي سوداني وسودانية بعيدا من اهتماماتهن السابقة، القيت عليهن السلام واكملت
عن زيارة لعدد من دور الإيواء بمدينة ود مدني اتحدث. زيارة ابتدرتها بمعسكر عائشة بخيت بحى المطار وبعد ان التقيت بشاب متطوع تساعده عدد من الصبيات المتطوعات، واستمعت لشكاوى باتت متشابهة عند حلول كل كارثة بالبلاد مفادها الجشع والفساد والإهمال من الجهات المعنية رسمية وشعبية بحق المتضررين الذين يتنفع البعض بإسمهم ويتمثلوا المقولة الشعبية ( رب ضرة نافعة) بينما المستهدفين يتضاعف ضررهم المعنوى قبل المادى.
بعد جلوسي مطولاً مع الشاب سامر والاستماع المشفوع بالبيان قادني الى حيث يقيم النازحين في مبنى المدرسة التي اجتهد في توفيرها لهم رفقة الشق الثاني منها والمخصص للرجال بمدرسة البنين.
نزلت وتجولت معه على الفصول التي تتقاسمها (146) أسرة اختزلت تفاصيلهم جلسة عدد من السيدات متحلقات حول فناجين قهوة تعمل على إعدادها رفيقة لهم واحسب ان الاخريات اندمجن في موضوعات شتى قطعتها عليهن باقتحامى فرحبن بي ايما ترحيب حرضني لسحب مقعد ومقاسمتهن الجلسة والقهوة
وانا ارتشف فنجان قهوة داكنة طاعمة ادرت معهن حوار ودردشة تعرفت من خلالها على مناطق سكنهن بالعاصمة الخرطوم، كيف خرجن ومتى؟ وكيف وصلن لهذا المأوى؟ كيف يعشن ويقضين يومهن؟ وكيف تاتيهم أخبار الحرب هناك؟ وكيف أخبار بقية الأسر التي شطرتها الحرب إسوة بالأرض والعرض؟ وغير ذلك الكثير.
وجدت ان سودان مصغر اختزل في (145) أسرة كنموذج شكلن قوميته كونهن يمثلن اغلب قبائل السودان شرقه وغربه، شماله وجنوب، فضلا جغرافيا المكان فتلك من بحرى، وأخرى من مايو، واولئك من ام درمان بعدد من احيائها، ، وشرق النيل، وسوبا، وووو…
يا سلام.. كل هذه الأسر توحد وجدانها كيف لا والمصائب تجمعنا المصابينا.
عرفت كذلك ان جميع هذه الأسر تعرف بعضها البعض تماما ، يجتمعون على اللقمة بمحبة بعد ان جدولن كيفية طهيها، ثم يجتمعن نهارا على مؤانسة قهوة وصغارهن يتحلقون حولهن فيما يجرى بعضهم بعيدا يقفز بين طوابق المبنى وقد علمت يومها ان خلال يومين سيتم ختان الذكور وعزمت ان اكون حضورا وبيدى حريرة وحلوى لكن ظروف قاهرة حالت دون ذلك.
ورغم ان السيدات بمعسكر عائشة بخيت بحى المطار يفترشن الأرض لعدم وجود أسرة إلا من بعض الوسادات، إلا لمحة رضا تكسو وجههن ويعد وضعهن أكثر بكثير من تلكم الأسر التي تجاورهم بمبنى داخلية عزة التي يقطنها الدراميين، ورغم سكنهم في غرف منفصلة لكل أسرة إلا ان البؤس يخيم عليهم جراء عدد من الأسباب نوجزها في حلقة قادمة نكشف من خلالها عبث القائمين على أمر النازحين بولاية الجزيرة وحكومتها، وكيف تدار الإغاثة والمعونات، التى وضعت الكثير موضوع الذل وعلى رأسهم الدراميين.