أخر الأخبار

رزان أكرم زعيتر تكتب : السودان في القلب.. الاحتراب الداخلي جريمة

في ضوء الأحداث الأخيرة التي تشهدها دولة السودان، والتشابكات السياسية والعسكرية ما هي إلا انعكاسات لصراع المصالح في واحدة من أغنى دول العالم بالأراضي الزراعية والمعادن ومنها الذهب، ونظراً للموقع الاستراتيجي لهذه الدولة التي تتشارك حدودها مع 7 دول أخرى تعاني ويلات الصراعات وانعدام الأمن المائي والغذائي، برز صراع قوى عسكرية متحاربة أسفر لغاية اللحظة عن تشريد 2,5 مليون مواطن سوداني، بين نازح ولاجئ، وتهديد متفجر للسلم الأهلي وتعميق الفجوات الاجتماعية في بلد يستقبل لاجئين من دول أخرى تعاني من الاقتتال فيها.
من المفروغ منه أن ما يحدث على أرض السودان سيؤدي إلى كوارث في القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وسيتسبب بفاجعة غذاء للاجئين والنازحين ومن بقوا في مدنهم وقراهم، وسيؤثر على أمنهم الغذائي ووصولهم الآمن لمواردهم، كما وهو أمر سيمتد تأثيره للدول المجاورة التي تعتمد على الصادرات الزراعية السودانية.

من أهم أسباب الصراعات المتتالية لما يحدث في السودان هو صراع يتعلق بملكية الأرض أو “ضمان حيازة الأراضي” وما شابها من الخلط والاضطراب منذ الحقبة الاستعمارية التي أججتها، ومن ثم الحكومات المتتالية التي لم تتمكن من حل تلك الاختلالات التاريخية والمفتعلة، وصولاً للعقوبات الظالمة والصارمة التي تم فرضها من أطراف استعمارية على الشعب السوداني لعقود من الزمن.

تعمقت المشكلة في السودان مع انسحاب دور الدولة الاقتصادي وإثراء طغمة قليلة فاسدة هيمنت على الموارد والثروات، مدعومة من قوى خارجية ما أدى إلى ذوبان الهوية الجامعة وبروز هويات فرعية قبائلية وعشائرية بحثاً عن الأمن والغطاء الاجتماعي.
لم يكن لهذا الاقتتال أن تشتعل ناره بدون تحريك وتمويل إمبريالي من دول إقليمية وعالمية، سعت لتفكيك السودان ابتداءً بسلخ جنوبه، والسعي لفصل شرقه المليء بثروات الذهب وغيره، وذلك مدخل لتوسيع نفوذها الاقتصادي، واستمراراً لتجارة السلاح وسرقة موارد السودان الغنية والاتجار بالبشر، والأهم من ذلك اغتيال قدرة السودان أن يكون سلة الغذاء العربية.

لن نكل من المطالبة الفورية لاستعادة السلم الأهلي وحقن دماء السودانيين وحفظ وحدة أراضي الدولة السودانية، وعدم استخدام أراضيها كساحة حرب لمصالح أجنبية بأيدي قوى إقليمية تريد النيل من دول مجاورة للسودان وتعميق حصارها المائي والغذائي. وأيضاً المبادرة الفورية لتقديم الدعم والمساعدات الغذائية لمحتاجيها في السودان واللاجئين والنازحين دون تمييز، وضمان الوصول الآمن وبدون عوائق للمساعدات الإنسانية والغذائية، وتولي الأمم المتحدة مسؤوليتها الأخلاقية في ضمان وصول هذه المساعدات لهم، وتسهيل عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم.
كما ندعو لضرورة دعم جهود الحوار والمصالحة بشكل عام، وبشكل إغاثي تنموي عاجل دعم السياسات التي تعزز النظم الغذائية المحلية كعنصر رئيسي فيما يتعلق بالتنمية ودعم الصمود، خاصة ضمان وصول صغار المنتجين للموارد الإنتاجية والأسواق، وتشجيع الشراء من منتجين محليين واستخدام المنظمات المحلية في تنفيذ برامج المساعدات الإنسانية والتنموية.

في هذا الوقت الحرج، ومع انتشار التدخلات في السودان تحت عناوين المساعدة ومنها ما هو حقيقي ومنها ما هو مريب، ما نطمح لتحقيقه لمصلحة الشعب السوداني لا يمكن تنفيذه دون دعم ملكية الدولة السودانية للبرامج وإلزام المنظمات الإنسانية الأجنبية بالعمل من خلال مؤسسات الدولة حتى لا تقوضها أو تخلق أنظمة موازية.
رئيسة الهيئة الإدارية للعربية لحماية الطبيعة
مؤسِسة الشبكة العربية للسيادة على الغذاء
عضو اللجنة الفرعية للقضاء على الجوع في المنطقة العربية – جامعة الدول العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى