
:
الجزء الثاني.
السفير نصر الدين والي.
١٢ مايو ٢٠٢٣
مبدأً؛ إن التفاوض عملية سياسية ودبلوماسية شاقة ومعقدة وتكتنفها العديد من الأمور، كما إنه عملية دقيقة، فهي هي الأساس تنتطلق وترتكز علي تغليب المصلحة العليا لكل طرف.
و في سياق الوضع الحالي في بلادنا، وفي اطار ما توافق توافق عليه طرفي الحرب، في اطار المبادرة المشتركة الأمريكية-السعودية، ففي رأيي المتواضع، ستكون حالة خاصة، وقد لا تنطبق عليها أسس ومعايير التفاوض الدبلوماسي بتعريفاته الدولية.
* أولاً: لأن إستراتيجياته لا تترك في يد المتفاوضين أوراق ضغط، كل علي الأخر.
* ثانياً: إن أوراق الضغط جميعها بيد المسهلين، الولايات المتحدة والسعودية، وهما من وضعا صيغه ومساره وغاياته الكلية.
* فالمبادرة المشتركة، جاءت مخاض ظروف محددة، وقد اشتملت علي ثلاثة محاور، وقد أنجز المسهلون المحور الأول بسلاسة، وهو كما تعلم، إعلان مباديء، يتمثل في إرضاء مطالب المجتمع الدولي، وشركاء السلام، أكثر من تلبيته لتطلعات السودانيين. والمحور الأول، في تقديري، وضع كإستهلال، وديباجة ليمهد الطريق لشراكة دولية واسعة للانخراط في المسألة السودانية في هذه المرحلة. ولعلك، تلاحظ أنه استند علي إعلاء قيم القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والمرور الآمن للغوث الإنساني، وضمان سلامة العاملين في منظمات الإغاثة، وحرية حركة المواطنين الراغبين في الخروج من العاصمة، وكل ذلك أمر مفهوم في أساليب التفاوض، والمفاوض، في مبدء العملية التفاوضية، يهمه التحرك في مساحة قبول واسعة بين الأطراف.
* وفي شأن المراحل المقبلة للتفاوض، ففي رأيي، إن الورقة الثانية التي سيطرحها المسهلون ستشتمل علي الالتزام بوقف شامل لاطلاق النار، وتفصيل الكيفية المثلي لالتزام الطرفين والتقيد الصارم به، و إحكام آليات المراقبة والتحقق من أي خروقات.
* أما المرحلة الأخيرة والحاسمة في مسار المبادرة المشتركة، التي لا يستبعد فيها “العودة للاتفاق الاطاري”، في ظل ما برز من تمظهرات ضرورة ذلك، سيقدم المسهلين مسودة مكتملة للطرفين، تشتمل علي أسس ومعايير التأسيس للانتقال للحكم المدني، وسيأتي مقدمو المبادرة المشتركة بشرط ملزم للطرفين يتمثل في إشراك المدنيين وأصحاب المصلحة، في بحث تلك المسودة، والسعي الجاد والصارم بدفع الطرفين العسكريين، بالموافقة علي تلك الخطوة، إن لم أقل، الالتزام لتلك الرغبة التي عبرت عنها المبادرة.
* ولعلي، استقرئ، بأن المسودة للمحور الثالث، في نهاية المطاف التفاوضي، لربما، تأتي في اطار Package سياسية، وستنطوي علي تقديم تسمية لرئيس وزراء، وربما حكومة انتقالية، لقفل الباب أمام الشركاء المدنيين بالجلوس وضياع الوقت بالجلوس في عملية طويلة ومعقدة للتوافق علي وضع معايير لاختيار رئيس وزراء وتكوين حكومة.
* وبالحديث عن ظروف عقد جلسات التفاوض وأوراق الضغط الأكثر تأثيراً، التي يحملها الطرفان، أو فلنقل الطرف الأمريكي، فإنها سترتكز علي إستراتيجية جديدة للإدارة الأمريكية، تمثل في تقديري، تحولاً جذري في التعاطي مع الأزمة السودانية، ويجئ ذلك، بفعل الضغط الكبير الذي مارسه الكونغرس الأمريكي مؤخراً بغرفتيه، والانتقاد اللاذع الذي وجهه أعضاء بارزين في الحزبين للادارة الأمريكية، ولا يخفي، أن الحزب الجمهوري يتمتع بأغلبية مريحة في مجلس النواب، بينما للحزب الديموقراطي أغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ، وفي ظل ما يسميه:
* The bipartisan request for support for Sudan’s endangered democratic transition.
* فإن ما سيحرك الادارة بشكل أكثر ديناميكية وفاعلية ويدفعها لضرورة عمل كل ما باستطاعتها من أجل ضمان عودة الحكم المدني في السودان، قد لاحت أفقه، وهو الهدف الذي رفعته الادارة الأمريكية، وظلت تدفع في اتجاهه منذ سقوط نظام البشير واندلاع الثورة، وذلك لسبب بسيط، “إن صدقية المساعي الأمريكية لحل الأزمة في السودان قد وضعت علي المحك الآن”.
* وفي سياق ذي صلة، فإن الادارة الأمريكية، مهدت لخطواتها المحسوبة بدقة، باصدار الرئيس بايدن لأمر تنفيذي سيفرض بموجبه عقوبات علي جميع المسؤولين السودانيين، عسكريين أو مدنيين ممن يعرقلون وقف الحرب، وكذا مساعي استئناف الحكم المدني.
* الأمر التنفيذي، أيضاً، مهد الطريق لابعاد الأطراف الإقليمية والدولية من التدخل في الصراع ملوحاً بعقوبات عليهم.
* وفي شأن طرفي الحرب، ففي تقديري، أنهم بحاجة الآن لوقف اطلاق النار، بأي شكل، لعلمهم، بأن هذه الحرب لن يكون فيها منتصر.
* ونلاحظ أن الولايات المتحدة، قد أخذت زمام المبادرة الآن، بالتحرك العاجل لحشد دعم الشركاء الإقليميين والدوليين، وذلك في مسعي للمحافظة علي ال Momenntum فقد غادرت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي في، مباشرة بعد حضور مراسم التوقيع علي المحور الأول في جدة، الي أديس ابابا، بهدف عقد اجتماعات في إطار الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) ومع شركاء أفارقة آخرين للتشاور وتنسيق الخطوات التالية بين الشركاء الإقليميين والدوليين الموحدين في سعيهم للمساعدة في وضع حد للنزاع في السودان بما يتماشى مع مقاربة “الخطوة بخطوة” التي اتفق عليها الطرفان.