صديق رمضان يكتب : مشاهدات من الطريق الشرقي.. ثنائية الحياة والموت

عند الساعة الثالثة مساءاً تحركنا اليوم الخميس من حي المايقوما بالحاج يوسف علي متن حافلة رُكاب “هايس” كان يقودها دفعتي في الدراسة بالمرحلة المتوسطة “بابكر دنيا” وقد استعدنا زكريات تلك الفترة الجميلة من حياتنا.

تركنا المايقوما خلفنا وكان يراودنا شعور بتأنيب الضمير لأننا تركنا جيراننا الأعزاء في شارع أولاد عبدالله ودالمادح وهم يكابدون لتوفير جرعة الماء وقطعة الخبز في ظل ظروف بالغة التعقيد، لم نجد غير الدعاء بأن يحفظهم الله ويخفف عليهم المعاناة.

بعد أن وصلنا إلى صينية مستشفى شرق النيل ونحن في طريقنا إلى مصنع الجنيد بالجزيرة لقضاء العيد وربما ابتعادا من معاناة الاشتباكات المسلحة بدأت تتجسد أمامنا ثنائية الحياة والحرب.

ففي محطة 13 تقف سيارات نقل الرُكاب لتقل المسافرين إلى الجزيرة وغير بعيد عنها تقف عربة عسكرية “تاتشر” يجلس حولها جنود في حالة إستعداد، وكأن عنوان هذا المشهد :”يجب أن تستمر الحياة”.

عند حي النصر يجلس بائع البطيخ غرب الطريق الرئيس وشرقاً منه تقف سيارة عسكرية مُحترقة، عند مرابيع الشريف يسبح ويلهو أطفال في الترعة بكل براءة غير مكترثين بالحرب وبالقرب منهم ينهمك ثلاثة أشخاص في سرقة أجزاء من سيارة عسكرية أيضاً تعرضت للحريق، وهنا العنوان “كيفية التعايش مع الحرب والاستفادة منها”.

عند مدخل سوبا الشمالي يتكرر ذات مشهد جلوس عسكريين على متن سيارة دفع رباعي وبالقرب منهم يقف صف طويل من المواطنين أمام مخبز، والعنوان هنا:”نعم بالخبز وحده يحي الإنسان”.

عقب تجاوزنا لتقاطع كبري سوبا وحتى خروجنا من الخرطوم كانت آثار المعركة التي دارت بين الجيش والدعم السريع يوم الثلاثاء تبدو شاخصة من خلال عدد السيارات التي تعرضت للحريق الكامل.

اللافت في الأمر عدم وجود للشرطة حتى في نقاط التفتيش بكترانج المحس وكذلك عند نقطة العبور وحتى رجال المرور سجلوا غياب غير مألوف رغم العدد الكبير للسيارات المتجهة ناحية الجنوب والتي تنوعت وبعد غيبة رأينا مشهد “الدفارات” وهي تعمل في نقل الهاربون من جحيم الحرب وقد تم وضع مشمعات عليها لتقي من يختارها وسيلة نقل أشعة الشمس.

بعد أن وصلنا إلى حبيبتنا الجزيرة وبقدر ارتياحنا للابتعاد عن أجواء الاقتتال وسعادتنا بملحمة أهل ولاية الخير وقد فتحوا أبواب منازلهم للفارين من الحرب، غير أن ترك جيراننا وراء ظهرنا كان أمر مؤثر ولكن هي الحياة بكل تفاصيلها المؤلمة والسعيدة.

بصفة عامة فقد وضح لنا من خلال رصدنا للحركة في طريق الخرطوم مدني الشرقي أن الناس وبغريزة الحياة في طريقهم للتعايش مع حرب لايعرف أحد متى يصمت صوت بنادقها، يتمنوا أن تتوقف اليوم ودافعهم في ذلك اشفاقا على وطن في طريقه لأن يتمزق وربما بحثاً عن حياة خالية من مايكدر صفوها، وإذا استمرت بالتأكيد ليس أمامهم غير التعامل مع البلاء إلى أن يرفعه الله.

Exit mobile version