قناعتي راسخة بأن الخير في أمة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم باق إلى يوم الدين، وقناعتي ارسخ بأن خير أهل السودان لا تحده حدود، وهم ليسوا أهل فضل فقط، ولكنهم سباقون فيه، ويتسابقون عليه، وتحضرني في هذه اللحظة ملامح قصة كان يتداولها الناس، تحكي أن رجل الأعمال، وفاعل الخير المعروف الحاج بابكر أبو سنون أحد أركان مدينة ود مدني الركينة، كان يتحدث عبر الهاتف مع ركازة القضارف المعروف عمر البدوي والذي يشهد له كل ركن من أركان القضارف بالفضل والإحسان، ونحن أهله واصهاره أهل الصوفي الأزرق نعرفه أكثر من غيرنا، وشهادتنا في حقه، لا يصيبها جرح، ولا تحتاج إلى تعديل، وأثناء محادثة الرجلين الهرمين العظيمين الهاتفية دخلت إمرأة إلى الحاج أبو سنون، وكان تبكي، فاستاذن عمر البدوي ليستمع إلى قصتها، ثم يعود إليه، فوضع السماعة وترك الخط فاتحا بينه وبين عمر، فعلم من المرأة أن صاحب البيت الذي تسكن فيه بالإيجار أمرها بإخلاء المنزل لأنها عجزت عن سداد إيجار عدد من الشهور، فامر حاج بابكر أبناءه بأن يسددوا لها إيجار عام كامل، وطلب منهم أن يبلغوا صاحب المنزل بأن إيجار منزل هذه السيدة عليه، يأتي يأخذه مقدما أول كل عام، ثم عاد لتكملة حديثه مع الحاج عمر البدوي، وكان ذلك حوالي الساعة التاسعة صباحا، وعند الثالثة عصرا تقريبا حضر أبناء عمر البدوي من القضارف، ومعهم عمهم، يحملون جوالا محشوء بالنقود، سلموه لحاج بابكر وقالوا له حاج عمر قال ليك “علي الطلاق تشتري بيت للمرأة المغلوبة علي أمرها”
تذكرت هذه القصة وتداعت إلى ذهني قصص وحكايات عندما حكي لي أخونا عاصم موسي مكي، الشقيق الأصغر لملك المرسيدس أخينا صلاح موسي، والمسؤول عن ورشة الصيانة، فحدثني عاصم عن ابن شقيقتهم الطفل عبد الرحمن محمد علي “ساجد” الذي أصابه ورم في رأسه استدعى جراحة دقيقة عاجلة لإزالة هذا الورم، ولما لم تكن مثل هذه العملية متاح اجراؤها في الأبيض احضروه الخرطوم، وقابلوا بعض الاختصاصيين وعلموا أن إجراء مثل هذه العملية يكلف نحو ثلاثة مليارات من الجنيهات، هذا فضلا عن تجهيزات دقيقة لا تتاح في كل المشافي، ودلوهم علي مستشفي الأمل، وهنا بدأت تتجلي عظمة أهل السودان، فوجدوا مجموعة “كلنا أمل وقيم” التي تخصصت في رعاية مرضي السرطان، ورغم أن ما فعلوه مع ساجد يفعلونه مع كل المرضي، إلا أن كرامات ساجد وبركاته، شجعتهم علي فعل المزيد، فساجد رغم ما كان يعانيه من آلام، ورغم صغر سنه لكنه ظل صابرا، وكان موقنا أن الله سوف يشفيه، ولم يترك المصحف أبدا، فاخذوه إلى الإستراحة الخاصة بهم، وتابعوا كل إجراءات العملية، والعلاج والدواء، والنقاهة حتى من الله عليه بالشفاء، ويذكر عاصم من مجموعة “جوانا أمل وقيم” محمد الأمين والدكتورة زينب وعلم الدين والسائق عصام وأحمد، فلهم منه ومنا جميعا جزيل الشكر ونسأل الله أن يضاعف لهم الأجر ويزيد لهم الحسنات، ويعينهم أكثر علي أداء هذه الرسالة العظيمة.
مستشفي الأمل، ومجموعة “جوانا أمل وقيم” ذكرتني الأعمال العظيمة جدا التي تقوم بها الدكتورة الإنسان هدي حامد محمد الحسن مديرة مستشفي أحمد قاسم، وسندها رئيس مجلس الإدارة الأخ مختار الشيخ، ومن قبله الراحل المقيم الأخ الكريم سمير أحمد قاسم، له الرحمة والمغفرة، وكل طاقم المستشفى من أصغر عامل، وحتى كبار الاستشاريين الذي ضحوا بمرتبات مليارية كل شهر داخل السودان وخارجه، من أجل أن تظل مستشفي أحمد قاسم قادرة علي العطاء وعلي أداء رسالتها السامية تنقذ حياة الآلاف من الموت من مرضي القلب، والكلي، وأنا واحد من الذين انقذوا حياتهم بفضل الله الشافي المعافي، كما تذكرت مؤسسة البصر الخيرية، ومستشفاها، مستشفي مكة للعيون، وحادي ركبها، وقائد مسيرها، وربانها البارع المتجرد الزاهد الناسك العابد الدكتور العاص أحمد كامل، ومعلوم أن مؤسسة البصر قد عالجت الملايين في السودان، وانقذت مئات الآلاف من العمي، وأنا أيضا واحد من هؤلاء.
وتذكرت كذلك مشروع العيادة المجانية الذي كنت قد خصصت لها مكانا ثابتا في صحيفة “الأزمنة” قبل عقدين من الزمان وكنا قد حشدنا لها عددا من كبار الاستشاريين يقابلون مرضي العيادة مجانا، ومن احتاج منهم إلى عملية كانوا أيضا يجرونها له مجانا، وكان من المؤسسين لهذه العيادة في زمن الأزمنة البروفيسور حسين سليمان أبو صالح له الرحمة والمغفرة، والبروفيسور كشان، والبروفيسور الجزولي دفع الله، والبروفيسور عثمان محمود حسنين، ثم لحق بهم الدكتور أحمد الطيب إبراهيم استشاري المسالك البولية المعروف، والدكتور محمد البدري استشاري العظام، ثم إنتقلت العيادة معي من الأزمنة إلى “الوطن” إلى “المشهد الآن” إلى “المستقلة” وكانت تتولي الإشراف عليها في كل المراحل التالية لصحيفة الأزمنة ابنتنا الصحافية النابهة سماح عبد الله، وأذكر في مرحلة من المراحل كان صديقنا الرشيد اورتشي مؤسس ومدير شركة مارسلاند للطيران، كان يخصص يوميا تذكرة الخرطوم القاهرة الخرطوم لمريض تحوله له عيادتنا، ولقد شجعتني قصص جوانا أمل وقيم، وما تداعي معها من ذكريات، شجعتني علي أحياء مشروعات مساهمات مجتمعية علاجية نرتب لها قريبا بإذن الله تعالي.