بروفيسور  إبراهيم محمد آدم يكتب : قراءة في كتاب البروفيسور عبد الإله كنه محجوب ،الرسالة الثانية للاسلام بين قوسين

خصني البروفيسور والمفكر ؛ نائب مدير جامعة بحري سابقاً / عبد الإله كنه محجوب؛ بتقييم منزلة كتابه الثاني والذي جاء بعنوان (الرسالة الثانية  للإسلام بين قوسين ، رؤية تحليلية نقدية ) وللأخ عبد الإله مساهمات فكرية ثاقبة، أشهد عليها من خلال  منافحته في مضمار الفكر منذ أن كان طالباً بجامعة جوبا وأحد قيادات جماعة الدعوة الإسلامية البارزين، وعلى المستوى الشخصي كان له تأثيرا كبيراً في اهتماماتي الأكاديمية وأنا في بواكير سني الدراسة الجامعية، وهو خريج حدث يشق طريقه نحو مستقبل واعد في تخصصه الطبي الذي برع فيه  حتى أصبح من المختصين النابهين الأوائل في مجال طب النساء والتوليد، وعبد الإله الطبيب لم ينس المواصلة في المسير قاصداً إلى الله عبر الدعوة والوعظ والإرشاد،عرفته منابر المساجد خطيباً مفوهاً محدثاً يبحث عن معاني التأويل  والإعجاز العلمي، ولعل ذلك السبيل قد قاده إلى نيل اطروحة الدكتوراة في الأديان المقارنة من جامعة أم درمان الاسلامية، وقد كانت رسالته تنضح بعميق الرؤية والفكر.
وإنها بجد مهمة عظيمة أن أتصدى لتحليل مساهمة كتاب انسربت عنه الكثير من المعلومات المتضاربة حتى في أوساط الفئة الواعية المثقفة من أهل السودان وآخرون كثر في مواطن أخرى، أو حتى بين أولئك الذين لم يسمعوا مجرد سمع بأفكار محمود، ولكن حياته وفكره وموته على منصة الإعدام، وما أثاره من جدل كثيف حول بعض الأفكار الغير معهودة لدى عامة الناس في ذلك الوقت، جعل بعضهم يعارضه أو يؤيده بلا هدى أو بصيرة، وقد ذكر البروفيسور عبد الإله أنه سأل  واحداً من المدافعين عن فكر المهندس محمود  عن ماذا قرأت له؟! فبهت ذلك الرجل ولم تسعفه ذاكرته حتى بعنوان كتاب. لذلك كان شاغلي السؤال  لماذا قل التداول الفكري لكتاب “الرسالة الثانية من الإسلام” رغم شهرته الواسعة وسط المهتمين من أساتذة وطلاب الجامعات؟.يقيني أن مساهمة عبد الأله ستكون عُمدة في تحليل نقد فكر محمود بصورة علمية وأكاديمية في هذا الكتاب والذي اعتبره أشمل وأعمق من طرح محمود نفسه، بل يكاد يساوي تقريباً ما كتبه محمود واكثر، بما فيه من الاستدلال بالآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة.لقد ذكر عبد الإله (أن الجمهوريين قد اعتادوا على القول أن الناس يجتزءون نصوص الفكرة ويبترونها بتراً يخل بالمعنى المقصود لذلك أوردنا نص الكتاب كله كما في الطبعة السادسة بتاريخ ربيع الاول 1407 الموافق له نوفمبر 1986م، وربما قالوا أن بعضاً من الناس لم يفهموا مقصدهم فتورطوا في معارضة مالم يحسنوا فهمه)، ليذهب فيقول (هنا سنطرح فهمنا ثم نتوجه معاً للناس ليحكموا بأنفسهم ثم يقررون)، وأجدني ميالاً لمثل هذا الطرح في وقت قل فيه الإعتماد على النقاش الفكري العلمي والموضوعي، وازداد التعامل بوسائل أخرى بعيدة عن العقلانية، ورغم أن دعوة الجمهوريين قد بدأت بالحزب الجمهوري ثم ما لبثت أن تحولت إلى الإخوان الجمهوريين على نسق الإخوان المسلمين وذلك بعد خروج محمود من السجن واعتكافه  ثلاث سنوات ذلك الإسم الذي  صبغ كل أدبيات الحزب وتوج هذا في صدور أول طبعة لكتاب “الرسالة الثانية من الإسلام” في يناير من عام 1967م. وفي حقبة مايو (1969 وحتى 1983م والتي يتجنب الجمهوريون ذكرها في أدبياتهم) كانت الدعوة الجمهورية قد انتشرت وسط طلاب الجامعات ربما بمهادنة أو تنسيق مع نظام نميري الذي كان تنظيم الأخوان المسلمون عدوه الأول قبل حزبي الأمة والإتحاديين، في سنوات ما بعد قضاءه على سطوة الشيوعيين بعد انقلاب هاشم العطا، وقبل المصالحة مع الجبهة الوطنية في عام 1977م لذلك أصبح للفكرة الجمهورية في تلك الفترة كثير من الأتباع.
بذل عبد الإله جهداً يدل على أنه قرأ ذلك الكتاب بعمق حتى صارت وريقات الكتاب هلهلا من فرط التصفح، تناول الكتاب تعليم محمود وحفظه اليسير للقرآن في بداية حياته ثم تأهيله الأكاديمي في كلية غردون التذكارية، ونضاله ضد الإستعمار الإنجليزي،ثم استعرض بجلاء منهجية محمود في إدعاء الرسالة الثانية، واستعان بالعديد من الأدلة المستمدة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ليحآج من يقول أنه مع أو ضد ذلك؛  مع إيضاح ارقام تلك الآيات وسورها وتخريج تلك الأحاديث في ذيل كل صفحة.
يزعم محمود أن الرسالة الأولى من الإسلام والتي تصدى لها النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد ركزت على الفروع بينما ستركز الثانية على الأصول، وأنه لأمر يعجب له كل من له فكر وقرأ وتدبر آيات القرآن وهو هنا يؤكد على أن قوله هو الفصل والحق الذي ما بعد حق، بينما الائمة يقرون أن قولهم صواب يحتمل الخطأ وقول غيرهم خطأ يحتمل الصواب، وقد أنفق الامام مالك بن أنس بن مالك أربعون سنة قبل أن يخرج إلى الناس بكتاب الموطأ ومع ذلك رفض اعتماده من قبل الخليفة أبو جعفر المنصور كتاب رسمياً أوحداً في الفقه.ثم أن الأمر العجب أنه يعطي أفكاره صفة النهائية، ولا يقبل فيها أي جدل وهو المنادي بحرية الفكر.
وعند تشريحنا لكتاب عبد الإله في نقده لكتاب محمود نجد أنه قد ثبت له بعد تخريج الأحاديث أن محموداً يقوم بزيادة نصوص الأحاديث كما في نص هذا الحديث المزاد ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبي ) ليزيد فيه قالوا: وما الغرباء يا رسول الله ؟ قال : الذين يحيون سنتي بعد اندثارها.ثم أنه يذهب لأبعد من ذلك فيقول أن الرسالة التي كانت صالحة للقرن السابع الميلادي غير صالحة للقرن العشرين لأنه زمان إكتمال الإستعداد البشري لتلقي الرسالة الثانية، فمن قال بذلك من قبل وما هو دليله من الكتاب والسنة ونحن الآن في القرن الحادي والعشرين فهل تلزمنا رسالة ثالثة أم سنكتفي برسالة محمود الثانية.
في خضم الكتاب يجري محمود مقارنات كالعلاقة بين العشبة والجبل في مقارنة أشبه بالعلاقة بين سرعة العربة أو جمال الزهرة مثلاً وهذا ينطبق على الكثير من مسلماته،ويعارض آيات القران الصريحة فيقول أنه لا يوجد نسخ وأنما تأجيل وأرجاء لبعض الآيات لحين أوان فهمها، ثم يذهب أبعد من ذلك في مخالفة نصوص صريحة (حتى في القرآن المكي حسب تصنيفه للقرآن) ليقول بان الإسلام أعلى درجة من الإيمان. مرد ذلك – كما في الكتاب – يعود لضعف منهجية محمود، حيث تخلط عليه الأمور كما في تناوله لمفهوم الحضارة والمدنية حيث تجده قد إلتبست عليه المفاهيم،وتحدث عن المدنية بإسهاب وتجاهل الحضارة وهذا تقصير وتخليط خطير. ومن أبرز مظاهر الضعف المنهجي عنده تجده يكتب عنواناً ثم يتحدث عن موضوع آخر، كما في الباب الخامس من الكتاب.
غذى محمود رسالته ببعض الأفكار الغربية ففي قصة الخلق يؤمن محمود بنظرية داروين حول تطور الأنواع والأجناس ويأتي بأفكار متناقضة تعارض صحة ما جاء في القرآن حول خلق آدم ومن بعده بنيه فهو يخلط الطين الذي خلق منه آدم بنطفة أبناءه، كما أنه يضع التوراة والأنجيل في مكانة متساوية مع القرآن رغم ما تعرضتا له من تحريف وتغيير.
في موضوع الجهاد الذي وردت فيه آيات مستفيضة وواضحة، يقول محمود بالغاءه ويفيد أنه ليس أصلاً في الإسلام ولم يعط أي حجة أو أسانيد تدعم قوله، أما عن الرأسمالية والملكية الفردية فيقول أنها ليس أصلاً في الإسلام، ربما فقط مجاراة للموضة الفكرية في زمان وضعه لكتابه ذاك، ثم يقفز لينادي بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة في الإسلام دون أن يستدل بالآيات إلتي تتحدث عن موضع المساواة أو تفضيل بعضهما على بعض لحكمة يعلمها الله الذي خلقهم، ثم يتطرق للحجاب والزي الإسلامي ليقول إنه ليس أصلا ويدعو صراحة للسفور والتبرج ، تلك القضايا جميعاً تناولها البروفيسور / عبد الإله كنه؛ فقرة بفقرة وصفحة بصفحة وسيجد القارئ ذلك تفصيلاً ليحكم على ذلك الكتاب وفق منهج ومنطق سليم نبتغيه.
بالإشارة الى أن هذا الكتاب مبذول على شبكة الإنترنت بموقع مكتبة نور .
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى