
أستعير عنوان رائعة الروائي الانجليزي المعروف بحسه الاجتماعي المتقد “شارلز ديكنز” OUR MUTUAL FRIEND عنوانا لمقالي هذا ، حيث يدرج النقاد روايته في قائمة الكتابات المعقدة. وهي في حالها تشبه تماما مايجيش في صدري من أحاسيس متداخلة وشعور مركب تقف الحروف عاجزة عن وصفه .
يسكن الحزن العميق جوانحي، بينما تتقاذف الأمواج لواعج نفسي جراء فقدي لصديقي العزيز أوفلنقل صديقنا المشترك “أسامة يس”. الذي انتقل الى رحاب الله صبيحة الأحد 28 نوفمبر/2021م. خص المولى –عزوجل- “أسامة” بالقبول، فكل من يقترب منه يظن أنه صديقه الأثير والأوحد. وهذا نهجه مع الكبار والصغار، ومع من هم في نفس عمره كذلك.
الموت خارج الأرض:
كان أخونا “أسامة” – ويشهد له بذلك ابن عمته علام صغيرون- يتمتع بذاكرة قوية، تضاهي ذاكرة الأفيال، حيث اشتهر بقدرته على استرجاع وقائع تجاوز عنها الزمان سنين عددا. ويعرف عن الأفيال –اضافة الى قوة الذاكرة- توجهها الى مكان منعزل اذا ما شعرت بدنو أجلها. مخلفة بقية القطيع في حالة حزن وحداد على من رحل عنها. وكذلك تفعل الحيتان حين تتوجه نحو الشاطيء لتفارق الأحباء، وتمارس النزف بعيدا حتى الموت.
هكذا فعل حبيبنا “أسامة” الذي توج صداقتنا بالزواج من أختي “ايمان جعفر”، رفيقة دربه في مشوار الحياة، وساعده الأيمن في رحلة استشفائه بالقاهرة التي وفد اليها مستصحبا معه احساس الشاعر حسن عوض أبو العلا في رثائه لنفسه : سفري السبب لي عنايا وفرقة وفقدان هنايا
كما سار “أسامة” على نهج محمود درويش في مخاطبته للموت قائلا: (أيها الموت انتظرني خارج الأرض، انتظرني في بلادك).
صدقت أخي “سعد فيصل” حين قلت : “ان سفر “أسامة” لم يكن بغرض الاستشفاء فقط ، ولكن العناية الالهية مارست علينا فن الفطام التدريجي من طلته وأنسه، كي لا نصدم ونجزع بفطام سريع من صديقنا المشترك. حقا انه من لطف الله وحكمة أقداره أن جنبنا ألم الرحيل المفاجيء والفراق المر.
الآمنون من العذاب:
كان أسامة شجاعا وصبورا في مواجهة خصمه العنيد، واحتمل من الآلام أعظمها طيلة فترة صراعه مع “مرض السرطان” الذي أصابه قبل عام تقريبا. وكان كما قلت أخي “الواثق” سباقا الى لم الشمل وقضاء الحوائج. ان لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم الى الخير وحبب الخير اليهم ، أولئك الآمنون من عذاب الله يوم القيامة”. ونحسب أنه منهم.
انا لله وانا اليه راجعون، أسأل الله أن يرحمه وأن يبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله. اللهم لاتحرمنا أجره، ولاتضلنا بعده .
(وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون) صدق الله العظيم
ولكم مني وللكاتب العظيم شارلز ديكنز العذر – كل العذر- في استعارة عنوان روايته وآخر ما خط يراعه “صديقنا المشترك”،عنوانا لمقالي.
حسين جعفر بابكر
الخرطوم: ديسمبر 2021م