أخر الأخبار

امل ابو القاسم تكتب : المتبطلون في مصر… خسئتم

 

كم آلمني خبر وفاة الشاب محمد صلاح بعد معاناة قاسية مع إصابة غدر من بني جلدته في مدينة بدر بالقاهرة.
وتفاصيل المأساة، كما تداولتها الأخبار، أن هذا الشاب، وأثناء عودته من عمله بأحد المصانع، اعترض طريقه نفرٌ – وللأسف سودانيون – ممن تزخر بهم جنبات ومقاهي القاهرة، أولئك الذين يستسهلون جلب المال لسد فراغ عطالتهم الموغلة في القرف والقذارة.

ثلة من العطالى فاقدي الضمير والأخلاق، اعترضوا طريقه، وأوسعوه ضرباً مبرحاً، وفقأوا إحدى عينيه بغرض السطو على هاتفه، وربما على جنيهات معدودة في قاع جيبه الهزيل، ثم تركوه ملقى في طريق شبه صحراوي، خالٍ، دون أن يرفّ لهم جفن. ولولا مرور سيدة سودانية عائدة من عملها بالمصنع، لتعفن جسده، وبات نهباً لكلاب السكك، إذ ظل جاثماً على صدره يومين كاملين فاقداً للوعي.

أنقذته تلك السيدة، واتصلت بالإسعاف التي نقلته إلى مستشفى الطوارئ، ثم اجتهدت – مع بعض أبناء الجالية السودانية – في الوصول إلى أسرته، المكونة من شقيقتيه المقيمتين بالإسكندرية، وكان محمد عائلهم الوحيد. ولأنهما فقدتا الدليل، وشقيقهما فاقد الوعي، ولا حول لهما ولا قوة بعد الله، فقد آلت السيدة على نفسها أن تؤويهما وتطيب جراحهما حتى يستفيق الأخ ويعود إليهما.

غير أن الأقدار كانت تحمل غير ذلك، فغيبوبة محمد طالت، وغيابه كان أبدياً، إذ نُعي اليوم خبر وفاته.
هذا نموذج واحد، لكنه الأقسى، ضمن روايات وشواهد كثيرة على اعتداء سودانيين على بني جلدتهم في القاهرة بغرض نهبهم. وذات الأخبار التي حملت نبأ وفاة محمد، رافقتها حادثة أخرى، نفذتها مجموعة من الشباب يستخدمون دراجة نارية، استهدفوا بها الزميلة الصحفية آفاق عبد الله بمنطقة فيصل – المطبعة. وبالتزامن، تعرض رجل أعمال سوداني لعملية نهب مماثلة بمنطقة عابدين، حيث سُرقت حقيبته، وبعد إفراغها من محتوياتها أُلقِيَ بها في الشارع.

إلى متى سيستمر بعض السودانيين بالقاهرة في ممارسة النهب والسرقة في طرقات وشوارع المدينة، على من لا يقلون عنهم سوءاً في ظرف استثنائي تمر به الأسر السودانية جمعاء؟
ما الذي يدعوهم للسرقة، وإدمان البطالة، والبقاء في مصر طالما أنهم لا يملكون سبيلاً كريماً للحياة فيها؟
وأين أسرهم، المسؤول الأول عن هذا الانفلات؟
فإن لم يحرككم ما يجري في السودان، ولم تدفعكم نخوة ولا وطنية للعودة والمشاركة في تحرير البلاد، أو حتى المساهمة في نظافة وحراسة المنزل والحي الذي تقطنونه، وإذا لم يحرككم ذلك، وفضلتم العطالة والتسكع في المقاهي على حساب ما تسرقونه من عرق جبين غيركم، فعودوا وابحثوا عن عمل تعيلون به أسرَكم اللاجئة.

ومعلوم أن القاهرة لا توفر عملاً سهلاً، ومن يجده يتحمل مشقة ورهق المصانع الطرفية. ويا للعار والخزي، حتى هؤلاء الذين استشعروا المسؤولية لم يسلموا من شركم، وبلغ بكم الحد إلى زهق الأرواح، وتدمير حياة ذويهم من بعدهم.

صحيح أننا ناشدنا – ولا نزال – السلطات المصرية بترحيل الشباب السودانيين المحبوسين في سجونها، وأغلبهم من القُصّر المندفعين أو المقلدين بلا وعي. لكن مع تفاقم ظاهرة السرقة والنهب، ومع ظهور فاعلين ناضجين – كما أوضحت الصور الملتقطة لمعتدي الصحفية آفاق – فإننا ندعو لاتخاذ خطوات جادة وحاسمة لوقف هذه الظاهرة الخطيرة.

الحرب قاسية، نعم. الفقر ضاغط، نعم. لكن شيئاً من هذا لا يبرر أن يتحول الإنسان إلى مفترس لأضعف منه. ولا يبرر أن تُنقل أسوأ أمراض الانفلات إلى بلدٍ مضيف، في لحظة تحتاج فيها الجالية السودانية إلى أقصى درجات التعاطف لا الشبهة.

الأخطر أن هذه الأفعال لا تقتل ضحاياها فقط، بل تقتل صورة شعب بأكمله، وتضع ملايين الأبرياء تحت نظرة الريبة، وتحرج من يعملون بصدق، ويكافحون في المصانع والورش ولقمة العيش القاسية.

المطلوب اليوم ليس بيانات شجب، بل إجراءات حقيقية. على السلطات المصرية أن تحسم هذه الظاهرة بالقانون، وعلى السفارة السودانية أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية قبل الدبلوماسية. فالتهاون هنا شراكة غير مباشرة في الجريمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى