تراث السودان بين ألسنة الحرب.. ضياع 100ألف قطعة أثرية يهدد الهوية والسياحة

كتب – أحمد زكي

في واحدة من أخطر الأزمات الثقافية التي يشهدها العالم العربي وإفريقيا، تقف الآثار السودانية اليوم في عين العاصفة. فقد أجمعت تقارير دولية ومحلية حديثة على أن الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل 2023 تسببت في ضياع ونهب وتدمير ما يزيد على 100 ألف قطعة أثرية من متحف السودان القومي ومواقع أثرية أخرى، في كارثة تمسّ صميم الهوية السودانية وتلقي بظلال قاتمة على مستقبل السياحة الثقافية والبحث العلمي في البلاد.
تُظهر الصور والشهادات الميدانية خلوّ القاعات من معروضاتها، وتعرض المومياوات للتلف، ونهب القطع الذهبية والمجوهرات التاريخية، في حين تحذر المنظمات الدولية ـ وعلى رأسها اليونسكو ـ من انتشار عمليات التهريب وانهيار منظومة حماية التراث في البلاد. ومع تزايد حجم الخسائر، يقف السودان أمام معركة جديدة: إنقاذ ما تبقى من ذاكرته الحضارية.

خلفية الأزمة وتطوراتها.
يعد متحف السودان القومي في الخرطوم أهم مؤسسة ثقافية تحتضن تاريخ البلاد الممتد لآلاف السنين، من حضارات النوبة والكوشيين، مرورًا بالعصور المسيحية، وحتى الدولة السنارية والحكم التركي المصري. إلا أن اندلاع الحرب وتوسع دائرة الاشتباكات جعل هذه المؤسسات بلا حماية، لتتحول إلى هدف مباشر لعمليات نهب واسعة النطاق.
تقارير إعلامية وصور مسربة وثّقت اقتحام المتحف وإفراغ خزائنه ومخازنه من محتوياتها، بما في ذلك قطع نادرة من الذهب، وأدوات مدفونة، وكنوز أثرية لا تقدّر بثمن. أما القطع الكبيرة، مثل التماثيل الضخمة، فبقيت في أماكنها لصعوبة نقلها، لكنها تعرضت للتكسير والتشويه.

حجم الخسائر وآثارها.
تقدّر الجهات المختصة أن ما يقارب 90% من مقتنيات المتحف تعرضت للسرقة أو التدمير، وهو ما يعادل نحو 100 ألف قطعة أثرية تشمل.
مومياوات قديمة
مقتنيات ملكية نوبية
نقوش حجرية ومخطوطات
قطع معدنية وذهبية
أدوات معمارية وفخاريات تعود لحقب مختلفة
هذه الخسارة لا تقتصر على الجانب المادي، بل تشمل ضياع معلومات تاريخية لا يمكن تعويضها، وتوقف مشاريع بحثية كانت تعتمد على هذه الكنوز.

تأثير الأزمة على السياحة الثقافية.
كانت المواقع الأثرية السودانية، مثل أهرامات مروي وجبل البركل ومتاحف الخرطوم، تشكل ركيزة أساسية للسياحة الثقافية. إلا أن تدمير البنية التحتية المتحفية ونهب المحتويات أدى إلى، توقف شبه كامل للزيارات السياحية.
مغادرة البعثات الأثرية الأجنبية.
تراجع ثقة المستثمرين في قطاع السياحة الثقافية.
تدمير صورة السودان كوجهة تاريخية عالمية.
وفي ظل هذه الظروف، أصبح من الصعب إعادة بناء مسار سياحي فعال قبل استعادة القطع وتأهيل المؤسسات الثقافية.

التهريب الدولي وتهديد الهوية.
عمليات التهريب لم تكن داخل الحدود فقط، بل انتشرت شبكات دولية تتاجر بهذه القطع في أسواق الفن العالمية.
اليونسكو حذرت من شراء أو بيع أي قطعة تحمل هوية سودانية، مؤكدة أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأنها ستسعى لملاحقة الجهات المتورطة.

أما محليًا، فإن فقدان هذا الكم الهائل من التراث يشكل ضربة قاسية للهوية الوطنية، إذ يعد الإرث الأثري أحد أهم أعمدة الوعي الثقافي والتاريخي للشعوب.
إن فقدان أكثر من 100 ألف قطعة أثرية ليس مجرد حدث عابر؛ إنه جرح في الذاكرة التاريخية للسودان وتهديد مباشر لمستقبل السياحة الثقافية في المنطقة. ومع ذلك، فإن الإرادة الدولية والمحلية، إذا ما اجتمعت، قادرة على إعادة بناء ما تهدم واستعادة ما سُرق، ليعود السودان إلى مكانته الطبيعية كأحد أهم أطراف الحضارة الإنسانية في إفريقيا والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى