أخر الأخبار

الدبلوماسية الفاعلة.. خط الدفاع الأول عن السودان

 
بقلم: قذافي محمد أحمد المنصور
 
في خضم ما تعيشه بلادنا اليوم من أحداثٍ عصيبة، وتمزقٍ داخلي، وتآمرٍ خارجي تواطأت معه خيانةٌ داخلية، يتجلى غياب الدبلوماسية الفاعلة التي تمتلك البصيرة والقدرة على المواجهة في الوقت المناسب — لا دبلوماسية الغياب أو الاكتفاء بردود الفعل المتأخرة.
بلادنا، التي تواجه واحدة من أخطر المراحل في تاريخها الحديث والقديم، أصبحت ساحة مفتوحة لتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، بل وحتى لتدخلات القوى الناعمة التي تعمل عبر وكلاء محليين ومليشيات متمردة.
منذ التغيير الذي حدث في عام ٢٠١٩م بدأ الضعف يطال مؤسسات الدولة كافة بسبب إجراءات لجنة إزالة التمكين سيئة الذكر، التي أفرغت الوزارات من الكفاءات والخبرات، ومكّنت لذوي الولاء على حساب أهل الكفاءة. ولم تكن وزارة الخارجية استثناءً من هذا التدهور، فشهدنا ضعف أداء الوزراء وترددهم في المواقف المصيرية، كما تم فصل عدد كبير من السفراء واستبدال بعضهم بآخرين محدودي الخبرة، بينما ظلت بعض السفارات لفترات طويلة بلا سفراء.
ثم جاءت مرحلة ما بعد أكتوبر ٢٠٢١ التي عمّ فيها الارتباك الإداري وعدم الاستقرار، لتأتي الحرب اللعينة والتي دمرت فيها الميليشيا المتمردة بمنهجية وهمجية جميع مؤسسات الدولة وشردت من نجا من كوادرها مع المواطنين، فتوقف دولاب العمل في كل الوزارات ومنها وزارة الخارجية التي كاد أداؤها أن يكون صفراً.
كانت الدبلوماسية السودانية في ما مضى مدرسة رصينة وفاعلة في القارة الأفريقية والعالم العربي، لكنها اليوم أصبحت مشتتة الرؤية، منقسمة الولاء، محدودة التأثير، إن لم نقل معدومة. وقد أدى هذا الغياب إلى ترك الساحة فارغة أمام القوى المعادية لتعبث بصورة السودان وتوجه الرأي العام الدولي حسب أهوائها.
في الوقت الذي يغيب فيه الصوت الرسمي أو يأتي متأخراً وضعيفاً، يتحرك قادة المليشيا وداعموهم بحرية عبر الإعلام ومراكز الضغط الدولية، يروّجون لرواياتهم المزيفة عن الأحداث، ويقدّمون أنفسهم كـ”ممثلين شرعيين” للسودان وشعبه. وهكذا تُشوَّه الحقيقة ويُختطف صوت الوطن.
 
◼️التآمر على السودان ليس خيالاً
من يراقب المشهد بعين فاحصة يدرك أن ما يجري في السودان ليس صراعاً داخلياً محضاً، بل جزء من مخطط أكبر يستهدف إضعاف الدولة وتفكيك مؤسساتها الوطنية.
فموارد السودان الهائلة وموقعه الجغرافي المتميز وعمقه التاريخي جعلته هدفاً لأطماع إقليمية ودولية.
الأخطر أن هذا التآمر يُدار بأساليب غير تقليدية — عبر تمويل المليشيات المتمردة، واستخدام الإعلام الموجّه لتشويه صورة القوات النظامية والدولة، بينما تُلمَّع صورة المتمردين ويُقدَّمون كقوة شرعية في كثير من المنابر الخارجية، بسبب غياب الدبلوماسية وصمتها.
 
◼️الدبلوماسية الفاعلة.. درع الوطن الخارجي
الدبلوماسية ليست مؤتمرات وتصريحات، بل أداة سيادية لحماية الأمن القومي. والدبلوماسية الفاعلة هي التي:
1. تمتلك مراكز تحليل ورصد معلومات دقيقة.
2. تبني تحالفات ذكية قائمة على المصالح المشتركة لا الولاءات العابرة.
3. تستخدم المنابر الدولية لتوضيح الحقائق بلغة مؤسسية مقنعة ومدعومة بالأدلة.
4. تعمل على تحييد القوى المعادية وكشف أجنداتها قبل أن تتحول إلى قرارات دولية.
إن السودان اليوم بحاجة إلى إعادة بناء جهاز دبلوماسي وطني موحّد، يعمل بتنسيق كامل مع مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والإعلامية، ليستعيد زمام المبادرة في الساحة الدولية بعد طول غياب.
 
◼️رسالة إلى صانعي القرار
المعارك لا تُكسب في الميدان وحده، بل تُدار أيضاً في أروقة السياسة ومجالس الأمم.
المعركة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية هي الوجه الآخر للحرب.
وإذا استمرت الفجوة بين جبهات القتال والمكاتب الدبلوماسية، فسيبقى السودان عرضةً للتشويه والتآمر، مهما كانت تضحيات أبنائه في الجبهات.
 
◼️خاتمة
لقد آن الأوان لأن تستعيد الدبلوماسية السودانية دورها كدرع خارجي للوطن، تكشف وتفكك شبكات التآمر، وتدافع عن السودان بذكاء وقوة — لا بردود فعل مترددة. فالعالم لا يحترم إلا من يحسن الدفاع عن قضيته، ومن يمتلك القدرة على رواية قصته بصوت وطني موحّد ومقنع… والدبلوماسية الفاعلة هي مفتاح ذلك، وهي السلاح الموازي للبندقية في معركة بقاء بلادنا دولةً موحدةً وسيدةً على قرارها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى