أخر الأخبار

القحطاني (أبوتالا) الفارس الذي طوى فيه الله محبة السودان

*عبد اللطيف السيدح*
يا أيها الأيقونة السودانية المكنونة في سويداء القلوب، يا علي، يا أبا تالا من أي طينة أنت عجنت؟ سؤال لا تمل النفوس من طرحه كلما اقتربت من دفء قلبك، أو لامست جمال روحك، أو رأتك تمضي خفيف الظل، عميق الإحساس، تفيض حبًّا وانتماءً وصدقًا وولاءً لوطنك المملكة العربية السعودية، وتفيض بنفس القدر حنانًا على أهلك في السودان، هل وُلدت تحت نخيلهم، وشربت من نيلهم، وسمعت في مهدك أغاني الحقيبة، وهمس جداتهم يا علي .
أنت يا أبا تالا، لست فردًا فحسب، بل حالة وجدانية متكاملة، لا تُفسَّر بمنطق التاريخ، ولا تُقرأ من كتاب الجغرافيا، بل تُرى بعيون الناس وهم يدعون لك، ومن شفاه الأطفال وهم يرددون اسمك كأنك قدّيس أطل من خلف الغيم.
فهبوطك نور، وعبورك إلى قلوب أهل السودان قطرات مباركة أرسلتها السماء بعد طول جفاف. لم نرك تتفاخر بنسب، ولا تتعالى بمنصب، بل كنت “مثلنا، منا، لنا”، تتنفس همّنا، وتضمد جرحنا، وتبكي بكاء الرجال حين يشتد الخطب وتضيق السبل، هل نحن في حضرة سفير؟ أم في حضرة صديق قديم يعرف كل تفاصيلنا ويحبنا بلا مقابل؟
أم نحن أمام أحد الأعلام الخفية التي أرسلها الله لتضمِّد جراح شعب وهبك محبته خالصة طازجة سائغة للشاربين. لأنه ظل يسمعك على الدوام تقول “لست وحدك، نحن معك، ونحن جند الله جند الوطن”.
فولاؤك لا يُزاحم.. وانتماؤك لا يتناقض، يا أبا تالا، حبك الكبير لقيادتك العظيمة لا يخفى على أحد. أنت ابن الولاء الذي ينسرب من كل خلية فيك. تذكر ولي أمرك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وتذكر سمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، فتنتصب عيناك بهاءً وتفيض كلماتك إجلالًا. ولكنك لا تراكَم هذا الحب، بل توزّعه عدلًا، وتمنحه مساحة أوسع حين يتعلق الأمر بالشعب الذي تحبه.. فتفيض به عليه كما الأتبراوي حين يعانق النيل, أعطيتنا يا علي دروسًا في أن الانتماء الوطني لا يعني الإقصاء للآخر، وأن الوفاء لوطنك لا يتناقض مع العطاء لغيره، وأن الإنسان النبيل يمكنه أن يحب وطنه حتى نخاع العظم، ثم يمضي فيحب إخوته في أوطانهم بما لا يقل عن ذلك تحية واحتراما، فقلبك خيمة، ومكتبك وطن لا أحد يطرق بابك ويُردّ، ولا أحد يناديك إلا ولبّيت، كأنك حارس للقلوب، بابك لا يُغلق، وابتسامتك لا تغيب، وحضورك لا يُنسى، في كل ركن مررت به تركت أثرًا، وفي كل روح اقتربت منها تركت طمأنينة. كنت وما زلت بيتًا من حب، ومضيفة من إنسانية، وواحة ظلٍّ في صحراء التجاهل التي مرّ بها كثير من السودانيين.
كنت تمد يدك إلى العالق، وتسمع للمكلوم، وتبتسم للغريب، وتُقيم الجسور بين الحاجة والحلول، بين الجرح والدواء، بين اليأس والرجاء.
صوتك الذي يهمس في ضجيج الأيام, ليتك ترى كيف يذكرك الناس لحظة غيابك عنهم ، ليتك تسمع ما يُقال عنك حين تحجبك الشواغل عنهم “هذا رجل من ذهب”، “هذا قلب لا يشبه أحدًا”.
“اللهم أحفظ أبا تالا”.
هكذا يدعو لك أهلك السودانيون، كبارهم وصغارهم، لأنك نزلت في قلوبهم، لا في الإدارات والمكاتب .
بماذا يكافؤوك؟ وبأي أوسمة يوشحوك؟ وأي شعارات يرفعونها لك؟ وهل تكفيك القصائد؟
أنت يا أبا تالا رجل تليق بك المآذن حين ترفع الدعاء، وتليق بك المجالس حين تسرد بطولات المحبة في زمن الحروب، تليق بك خيوط الشمس حين تنسج على جلبابك الأبيض قصة إنسانٍ جاءنا من صميم الكرامة السعودية ليقول: “أنا معكم، أنا أحبكم، أنا لا أتخلى عنكم”.
فمن أي معدن ثمين أنت يا علي؟ ومن أي نور صيغت هذه النفس الشفيفة؟ ومن أي نبع أرتويت لتسقينا هذا الكم الهائل من الطيبة. والعطاء، أنت هدية الله لنا، وهدية السعودية للسودان، دمت لنا كما عهدناك. قلبًا لا يُنسى، وصوتًا لا يخفت، واسمًا محفورًا في الذاكرة والوجدان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى