أخر الأخبار

سارة الطيب… إلى حامل راية الأمل: لا نريد أن نراك اسماً آخر في سجل خيباتنا الطويل

لعل أحد أبشع مشاهد العبث السياسي في تاريخ السودان الحديث يُعاد اليوم أمام أعيننا، ولكن بنسخة أكثر رداءةً وإحباطاً.
ذات الأبطال الذين خذلوا البلاد بالأمس – من سياسيين انتهازيين، وسماسرة مناصب، وأحزاب متكلسة – يعودون اليوم إلى المسرح، بوجوهٍ منهكة، وألسنةٍ مدهونة، يزحفون صوب حكومة كامل إدريس، وكأن التاريخ منحهم تذكرة مجانية لتكرار الكارثة.
وبعد قرابة الشهرين من تعيينه رئيساً للوزراء، بات البروفيسور كامل إدريس محاصراً بسيلٍ من اللقاءات غير المجدية، والترشيحات المريبة، وتحالفات النخب الفاشلة التي لم تُقدّم لهذا الوطن يوماً غير الشقاق والخيبة.
وكلما مضى يوم، ازداد وضوح المشهد: الرجل يغرق – لا يصعد – في بحر الغوغائيين واللامبالين، في وقتٍ لا يملك فيه سنداً سياسياً حقيقياً، ولا قاعدة وطنية صلبة تذود عنه أو تحمي مشروعه.
إن المتابع لاجتماعات إدريس اليومية – كما تُنقل عبر وسائل الإعلام وصفحات الأطماع السياسية – يدرك أن باب الرجل فُتح على مصراعيه لنفس النخب الفاشلة التي كانت جزءاً من مشكلة السودان، لا من حلِّها.
فلا رؤية واضحة، ولا أولويات وطنية، ولا اشارات على التغيير الحقيقي، بل مشاورات سطحية مع وجوهٍ جُرّبت وفشلت، بعضها سقطت عنه أوراق التوت منذ سنوات، والبعض الآخر لا يزال يلهث خلف لقب “معالي الوزير”، وكأن البلاد في نزهة، لا في كارثة وجودية.
كامل، حامل راية حكومة الأمل، عليك أن تعلم جيداً أن الشعب السوداني اليوم لا يملك ترف الانتظار ولا رفاهية الصبر السياسي.
البلاد تنهار أمام أعين الجميع، فآلة المليشيا الغاشمة تحصد الأرواح بلا رحمة، الجوع يفتك بالأبرياء، النزوح والتشرد يحولان المدن إلى أطلال، الانتهاكات تُمارس بلا مساءلة والخرائط الجغرافية والسياسية يُعاد رسمها على يد السلاح لا الدستور.
في مثل هذا السياق، لا يجوز لأي حكومة – انتقالية كانت أم تكنوقراط – أن تهدر الزمن في استرضاء رموز الفشل، أو أن تستبدل مشروع إنقاذ الوطن بـ”بازار الترضيات”.
السودان لا يحتاج حكومة تسويات، بل يحتاج إلى حكومة كفاءات مقاتلة من أجل البقاء، تعرف أن وظيفتها إعادة الحياة، ولديها شجاعة اتخاذ القرار، لا مجرد استقبال الوفود والترشيحات، وتؤمن بالشعب، لا بالمناصب.
يا حامل راية الأمل، إذا واصلت الانفتاح على تلك النخب التي فشلت في كل اختبار وطني، فاعلم أن الشعب لا ينتظر منك عصا موسى، لكنه كذلك لن يقبل منك إدارةً خاوية تكرر الفشل ذاته.
إن مضيت في هذا الطريق، فإن حكومتك ستتحول إلى واجهة ميتة لمشروع ميت، وستجد نفسك شاهداً على دفن آخر ما تبقى من أمل، لا قائداً لمرحلة انتقالية حقيقية.
الفرصة لا تزال قائمة، لكن الوقت ينفد.
ونحن لا نريد أن نراك مجرد اسم آخر في سجل الخيبات الطويل.
نرى حملات إعلامية ممولة، وترويجاً منظماً لأسماء لا يعرفها الناس إلا من منصات العلاقات العامة.
تتزاحم الأيادي خلف الكواليس، ويبدأ التنافس غير الشريف على الوزارات، وكأن المناصب باتت تُشترى بالصورة البراقة، لا بالخبرة والعطاء الحقيقي.
على د. كامل إدريس أن يُدرك جيداً أن الناس تراقب، وأن الشعب السوداني، وإن كان منهكاً، فهو صاحب بصيرة.
قد يمنحك ثقته، لكنه لن يسامحك إن خانت اختياراتك تلك الثقة.
فأي مجاملة، أو استجابة لصوت الإعلام الزائف، ستكون خيانة لأمل أمة، وسقوطاً مدوياً في وجدانها.
نحن لا نطلب منك أن تُخرج السودان من أزمته بين ليلة وضحاها، وندرك تماماً أن العصا السحرية غير موجودة.
لكن ما نريده هو اختيار الاتجاه الصحيح للمرحلة المقبلة.
خطوات أولية حقيقية نحو الاستقرار، تبدأ من اختيار من يستحق، لا من يُروَّج له.
الشعب يريد أمناً لا شعارات، خبزاً لا مؤتمرات، كرامة لا وعوداً مؤجلة.
وكما قال المولى عز وجل: “الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف”،
فهذه هي أولويات المرحلة: صحة، تعليم، معيشة، وسيادة دولة وهيبة قانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى