
إعداد: إسماعيل جبريل تيسو
بدأ وزير الدفاع الجديد الفريق حسن داود كبرون، أسبوعه الثاني في الوزارة، وسط ترقب وطني واسع وتطلعات كبيرة، إذ تولى مهامه في لحظة مفصلية من تاريخ السودان، بعدما شهدت البلاد حربًا مدمّرة قادتها ميليشيا الدعم السريع، وما خلفته من دمار مؤسسي واجتماعي.
ويُعد تعيين الفريق كبرون في هذا التوقيت الحرج رهانًا وطنيًا كبيرًا على رجلٍ صقلته المعارك، وعركته سنوات الحصار داخل القيادة العامة للقوات المسلحة، التي مكث فيها أكثر من عامين وسط جنوده، صامدًا رغم الجوع والعطش وظروف الحرب القاسية، ما جعله يحظى بثقة المؤسسة العسكرية والشعب معًا.
—
مسؤولية ثقيلة في ظرف استثنائي
منذ اليوم الأول لتوليه المنصب، أبدى الفريق كبرون وعيًا متقدمًا بطبيعة الظرف الأمني الدقيق الذي تمر به البلاد، حيث عبّرت تصريحاته عن التزام راسخ بتحقيق الأمن، والدفاع عن سيادة الوطن، وتعزيز وحدة الصف الوطني، وهي مؤشرات اعتبرها مراقبون دلالة على توجه الوزير نحو مسارين متوازيين:
1. تعزيز التماسك الداخلي للقوات المسلحة.
2. مواصلة العمليات العسكرية ضد التهديدات الداخلية، خاصة بقايا ميليشيا الدعم السريع.
كما أكد الوزير استعداده الكامل للتصدي لأي تهديدات خارجية، والعمل على حماية مقدرات البلاد ومصالح المواطنين.
—
تحديات الجيش: من التماسك إلى الهيكلة
يواجه الفريق كبرون تحديات كبيرة في الحفاظ على وحدة الجيش، بعد الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها القوات المسلحة في الأرواح والمعدات جراء حرب المدن، وما صاحبها من إنهاك بدني ونفسي طويل الأمد.
ويرى مراقبون أن مهمة الوزير لا تتوقف عند إدارة المعركة الجارية، بل تمتد إلى ضرورة إعادة هيكلة الجيش وفق أسس مهنية تستوعب دروس الحرب، دون المساس بجوهر العقيدة القتالية الوطنية.
كما تقع على عاتقه مهمة تجاوز الحملات الإعلامية التي استهدفت القوات المسلحة في فترات سابقة، والعمل على تعزيز الانسجام الداخلي وتوحيد اللغة والمفاهيم بين مكونات الجيش.
—
دمج الحركات المسلحة وتقنين الوجود المسلح
من أهم التحديات الأمنية التي تنتظر وزير الدفاع، تنفيذ بند الترتيبات الأمنية والتسريح وإعادة الدمج (DDR) المنصوص عليه في اتفاقية جوبا للسلام.
ومع أن الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 أجّلت تنفيذ هذا الاستحقاق، إلا أن المرحلة الراهنة تفرض العودة إليه وفق رؤية شاملة تُعيد تنظيم العلاقة بين الدولة والحركات المسلحة على أساس الانضباط، والمهنية، واحترام العقيدة الموحدة للسلاح.
وأكدت مصادر عسكرية أن الفريق كبرون يدرك خطورة تعدد العقائد القتالية والولاءات داخل الدولة، ما يُقوّض مشروع بناء جيش وطني موحد، وهو ما سيجعله يعمل على معالجة هذه الإشكالات ضمن خطة متكاملة.
—
القيمة المضافة لشخصية كبرون
الخبير العسكري العميد د. معاوية علي عوض الله أشاد بالفريق كبرون، واصفًا إياه بـ”الرجل الهندسي الهادئ والمحبوب”، الذي يتمتع بقدرة عالية على الاستماع للجنود في الميدان قبل القادة في المكاتب، ما يخلق جسرًا من الثقة داخل المؤسسة العسكرية.
وأشار إلى أن كبرون، الذي خاض بنفسه معركة الحصار في القيادة العامة، هو الأنسب لفك الحصار المفروض على مناطق مثل جبال النوبة وولاية جنوب كردفان، التي تتعرض لانتهاكات مستمرة من تحالفات ميليشيا الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال.
وأضاف: “شخصية كبرون المتصالحة اجتماعيًا تؤهله للعب دور مزدوج؛ إذ لا يقتصر دوره على الجانب العسكري فحسب، بل يمتد إلى بناء السلام الاجتماعي وترميم النسيج المجتمعي المتصدع”.
—
خاتمة وطنية: رجل بحجم اللحظة
إن تعيين الفريق حسن داود كبرون وزيرًا للدفاع، ليس مجرد قرار إداري أو دستوري، بل هو اختيار وطني في لحظة حرجة، يعوّل عليه الملايين لإعادة بناء الجيش واستعادة هيبة الدولة.
وقد تكون هذه اللحظة بداية لتحوّل كبير في أداء وزارة الدفاع، يقوده رجل خرج من قلب المعركة، محمّلًا بتجربة قاسية، وإرادة لا تنكسر، وإيمان راسخ بأن النصر الحقيقي يبدأ من جيش موحد، محترف، وملتزم بقضية الوطن.