
إعداد: محمد جمال قندول
الخرطوم – في خطوة لافتة ذات دلالات استراتيجية، باشر وزير الداخلية الفريق شرطة بابكر سمرة مصطفى مهامه من داخل ولاية الخرطوم، بعد انتقاله رسميًا للعمل من مقر الوزارة بالعاصمة، في تحرك حظي باهتمام واسع وتداول كبير على المستويين الرسمي والشعبي، لما تمثله الخرطوم من رمزية سيادية وسياسية، ولما يعكسه القرار من مؤشرات تتعلق باستعادة الأمن وعودة المؤسسات للعمل تدريجيًا عقب تحرير العاصمة من قبضة التمرد.
استقبال رسمي يؤكد رسائل المرحلة
وقد استقبل والي ولاية الخرطوم الأستاذ أحمد عثمان حمزة الوزير الجديد بمقر حكومة الولاية، بحضور عدد من أعضاء حكومته وقيادات لجنة أمن الولاية. وخلال اللقاء، قدم الوالي تنويرًا شاملًا استعرض فيه أبرز التحديات التي تواجه الولاية، والمعالجات التي تم اتخاذها مؤخرًا، في مقدمتها إعادة تأهيل البنية الأمنية وتحسين انسياب الخدمات الأساسية.
وأعرب الوزير الفريق بابكر سمرة عن تقديره لحفاوة الاستقبال، مثنيًا على جهود حكومة الولاية وقوات الشرطة في بسط الأمن وفرض هيبة الدولة، مؤكدًا التزامه بتعزيز تلك الجهود عبر خطة أمنية محكمة.
خطوة سياسية وأمنية لعودة الروح إلى الخرطوم
يرى مراقبون ومحللون أن انتقال وزير الداخلية إلى الخرطوم للعمل من داخلها يحمل بعدًا يتجاوز الإجراءات البروتوكولية، إذ يشير إلى بداية استعادة الدولة لزمام المبادرة في العاصمة القومية. وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي بخاري بشير الخطوة “مفصلية”، مشيرًا إلى أنها تأتي بعد أدائه للقسم في مارس الماضي، وفي توقيت بالغ الحساسية، حيث لا تزال آثار الحرب ماثلة في كل تفاصيل الحياة اليومية بالولاية.
وأضاف بشير أن الخرطوم كانت من أكثر الولايات تضررًا من الحرب، وشهدت تصاعدًا في نشاط العصابات والمتفلتين، مستفيدين من حالة السيولة الأمنية وانتشار السلاح. إلا أن جهود الشرطة التي شملت تكثيف الدوريات، وإنشاء الارتكازات، وتنفيذ حملات منعية، بدأت تعيد الأمن تدريجيًا. كما أشار إلى قرارات إزالة المساكن العشوائية التي كانت تشكل بؤرًا للجريمة.
تحركات ميدانية تؤكد الجدية
مباشرة بعد انتقاله إلى الخرطوم، شرع الفريق أبو سمرة في تنفيذ سلسلة من الأنشطة، حيث ترأس اجتماع هيئة قيادة الشرطة، وزار كلًا من رئاسة قوات الاحتياطي المركزي ورئاسة قوات الحياة البرية، في مؤشر واضح على الجدية في التعامل مع متطلبات المرحلة، والاطلاع على جاهزية الأجهزة الأمنية.
تحديات ما بعد الحرب
المحلل السياسي خالد الفحل رأى أن زيارة وزير الداخلية وبدءه العمل من داخل الخرطوم تمثل دعمًا حقيقيًا لاستقرار المؤسسات السيادية والأمنية، مؤكدًا أن العاصمة ما زالت تعاني من أضرار جسيمة على صعيد البنية التحتية والخدمات، مما يجعل وجود الوزير على الأرض عاملًا محفزًا لتسريع وتيرة الإصلاح.
ولفت إلى أن التحدي الأكبر يتمثل في استكمال عودة مؤسسات الدولة المختلفة إلى الخرطوم، ما يتطلب معالجة أزمة الكهرباء والمياه وتأهيل شبكات الطرق، تيسيرًا لعودة المواطنين واستئناف الحياة الطبيعية.
الأمن مسؤولية جماعية
وفي ختام تحليله، دعا بخاري بشير إلى تفعيل المبادرات المجتمعية الداعمة للعودة الطوعية، مؤكدًا أن الأمن مسؤولية تشاركية، تبدأ من المجتمع وتُستكمل عبر مؤسسات الدولة. وأضاف: “قطعًا، الخرطوم ستكون أكثر أمنًا بعودة أبنائها ومؤسساتها، وما حدث من انتقال وزارة الداخلية خطوة أولى نحو ذلك الهدف”.
مؤشرات مرحلة جديدة
الجدير بالذكر أن وزارة الداخلية تُعد من أولى الوزارات السيادية التي أعادت تمركزها رسميًا في الخرطوم بعد الحرب، ما يفتح الباب أمام بقية الوزارات والمؤسسات للعودة، ويبعث برسالة واضحة بأن الدولة ماضية في استعادة سيادتها على كامل تراب العاصمة، وسط دعم سياسي وأمني كبير