أخر الأخبار

هل يحق للسودان وقف صادرات الذهب إلى الإمارات ؟ قراءة قانونية في زمن القطيعة الدبلوماسية

بقلم : حافظ يوسف حمودة
المحامي

في خطوة أثارت اهتمام الرأي العام الشعبي والسياسي والدوائر القانونية والتجارية على حد سواء ، أعلنت جمهورية السودان مؤخرًا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة الإمارات العربية المتحدة وإعتبرتها دولة عدوان ، وبقدر ما تمثل هذه الخطوة تعبيرًا سياديًا عن موقف سياسي واضح لا لبس فيه ، فإنها في المقابل تطرح تساؤلات قانونية دقيقة حول مدى أثر القرار على العقود التجارية الدولية القائمة ، لا سيما عقود تصدير الذهب السوداني من الشركات الحكومية السودانية إلى شركات تجارية إماراتية ، فهل يحق للسودان ، من منظور قانوني دولي وتجاري ، إلغاء أو تعليق تلك العقود ؟ وهل يشكل قطع العلاقات الدبلوماسية مبررا وسندًا كافيًا لوقف التزاماته التعاقدية ؟ دعونا نستعرض هذه المسألة وفقًا لمبادئ القانون الدولي العام والخاص .

أولاً/ العلاقة بين السيادة السياسية للدولة والالتزام التعاقدي القانوني :

يميز القانون الدولي بوضوح بين القرارات السيادية للدول وبين الالتزامات التعاقدية الناشئة عن عقود تجارية مبرمة ، حتى وإن كانت أطرافها شركات حكومية ، فقطع العلاقات الدبلوماسية لا يؤدي تلقائيًا إلى فسخ العقود التجارية ، ما لم يرد نص صريح في العقد أو القانون المحلي يُجيز ذلك ، وبالتالي، فإن مجرد توقف التمثيل السياسي والدبلوماسي بين الدول لا يطلق يد الدولة في التنصل من العقود التجارية ، خصوصًا عندما تكون العقود قد أُبرمت وفق قواعد القانون الدولي الخاص ، وتخضع لتحكيم دولي محايد .

ثانيًا/ مبررات الإلغاء في ظل الظروف الاستثنائية :

يمكن للسودان أن يستند قانونًا إلى مبدأ “القوة القاهرة” أو “الظروف الطارئة” إذا ما توفرت شروطها الموضوعية ، وقد تقبل بعض هيئات التحكيم الدولية هذه الدفوع إذا ثبت مثلًا أن استمرار تنفيذ العقد يعرض الأمن القومي للخطر ، أو يُسهم في تمويل أطراف تهدد السيادة الوطنية ، أو أن هناك حالة نزاع مسلح فعلي بين الطرفين تؤثر على سلامة التعاملات ، غير أن عبء الإثبات يقع هنا على الدولة السودانية ، والتي يجب أن تُبيِّن كيف أن استمرار تصدير الذهب للإمارات – في ظل الظروف السياسية الراهنة – يشكل ضررًا مباشرًا وملموسًا .

ثالثًا/ المخاطر القانونية عند الإلغاء غير المبرر :

في حال قررت الحكومة السودانية إلغاء العقود دون مبررات قانونية منصوص عليها أو دون اتفاق تعاقدي يُجيز ذلك ، فإنها تفتح الباب واسعًا أمام المطالبات بالتعويض من قبل الشركات الإماراتية المتضررة ، واللجوء إلى التحكيم الدولي مثل غرفة التجارة الدولية ( ICC ) أو مركز دبي للتحكيم . وفق ما تنص عليه معظم العقود التجارية الكبرى ، وربما المطالبة بتجميد أصول سودانية في الخارج أو اتخاذ إجراءات قانونية أمام محاكم دولية ، إضافة إلى تقويض سمعة السودان كمصدر موثوق للموارد الطبيعية في الأسواق العالمية ، وهو ما قد ينعكس سلبًا على قدرته التفاوضية مستقبلاً وعلى تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، دول مثل إيران وفنزويلا واجهت إجراءات مشابهة ، ولكن حين ألغت العقود دون تبرير قانوني أو قضائي ، خسرت قضايا تحكيم وكلفتها تعويضات بمليارات الدولارات .

رابعًا/ خيارات قانونية بديلة للسودان

لتفادي النزاع والتداعيات المالية والدبلوماسية ، يمكن للسودان أن يلجأ إلى وسائل قانونية أكثر توازنًا تحفظ حقوقه وتراعي التزاماته الدولية ، مثل التفاوض مع الشركات الإماراتية على تعديل أو تعليق العقود بصورة ودية ومؤقتة ، أو إعادة التفاوض بشأن الشروط التجارية بما يتناسب مع المتغيرات السياسية والاقتصادية الراهنة ، أو اللجوء إلى القضاء المحلي أو هيئات التحكيم المؤسسي لطلب تفسير قانوني أو طلب إنهاء العقود استنادًا إلى أسباب موضوعية واضحة ، بما يضمن الحفاظ على مصالح الدولة وسيادة قراره السياسي دون الإضرار بثقة المجتمع الدولي أو تعريض البلاد لنزاعات مالية معقدة ومكلفة .

إن بين سيادة الدولة بقراره السياسي والمسؤولية القانونية يظل للسودان كامل الحق السيادي في اتخاذ ما يراه مناسبًا من قرارات سياسية ، لكن الالتزامات التجارية الدولية تظل محكومة بضوابط قانونية صارمة لا تتأثر – دائمًا – بتقلبات السياسة ، وبالتالي ، فإن أي قرار بإلغاء صادرات الذهب إلى الإمارات يجب أن يستند إلى مبررات قانونية واضحة ومدروسة ، تجنب البلاد الانزلاق نحو نزاعات دولية قد تكون كلفتها باهظة اقتصاديًا وسياسيًا .

حافظ يوسف حمودة
المحامي
11/مايو/ 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى