خبر و تحليل – عمار العركي – من السودان إلى كينيا : تأثير المقاومة الشعبية على المشاريع الإماراتية في القرن الإفريقي

*

▪️في مقالي السابق المنشور بتاريخ 28 ديسمبر 2023 تحت عنوان ” المقاومة الشعبية السودانية تُهدد المشروع الأمريكي في القرن الإفريقي”، سلطت الضوء على دور المقاومة الشعبية في إعادة تشكيل المعادلة السياسية والأمنية في المنطقة، وتأثيرها على المشاريع الإقليمية والدولية، ولا سيما المشروع الأمريكي-الإماراتي في القرن الإفريقي. آنذاك، كانت المعطيات تشير إلى تصاعد الوعي الشعبي ضد النفوذ الأجنبي، ليس فقط في السودان، بل في دول أخرى مثل الصومال التي طرد شعبها امريكا بعد سحل جنودها وطرد الامارات من الموانئ والسواحل ، كذلك فعلت.كل من اليمن وجيبوتي وإريتريا والسودان، حيث أظهرت الشعوب رفضها لمحاولات فرض الهيمنة عبر الدعم المالي والضغط السياسي.
▪️بعد مرور عامين على ذلك المقال، تتكشف لنا صورة أكثر وضوحًا لتأثير المقاومة الشعبية في المنطقة، حيث بدأت بوادر التغيير تتجلى في كينيا، التي شهدت تصاعدًا ملحوظًا في حراكها الشعبي ضد التدخلات الأجنبية وسياسات الهيمنة. فقد باتت المشاهد التي كانت مقتصرة على السودان وإريتريا وجيبوتي تمتد اليوم إلى نيروبي، حيث أصبح الرأي العام الكيني أكثر وعيًا وإدراكًا لحجم التأثيرات الخارجية في سياسات بلاده.
▪️يواجه الرئيس الكيني وليام روتو ضغوطًا متزايدة بسبب تبنّيه مشروع إعلان حكومة موازية في السودان. فعلى الصعيد الداخلي، تسود حالة من الانقسام داخل الحكومة الكينية بشأن هذه الخطوة، إذ بدأ رئيس الوزراء موساليا مودافادي، الذي كان من المؤيدين لها، يعبر عن تحفظاته، متخوفًا من تداعياتها على استقرار العلاقات الإقليمية والدولية.
أما البرلمان الكيني، فقد شهد اعتراضات من عدد من النواب الذين أبدوا قلقهم من أن يؤدي هذا التوجه إلى توتر العلاقات مع السودان، وربما إلى عزلة كينيا عن محيطها الإقليمي والدولي. وفي السياق ذاته، تواصل الصحف والقنوات الكينية انتقاد سياسة روتو، محذرة من أن دعم حكومة موازية في السودان قد يؤدي إلى تعميق الأزمة هناك ويضع كينيا في موقف دبلوماسي حرج. المعارضة السياسية المحلية، بقيادة شخصيات بارزة مثل زعيم المعارضة السياسبة ” كالونزو موسيوكا” ، انضمت إلى هذا الاتجاه، داعية الحكومة إلى الابتعاد عن التدخل في النزاعات الخارجية التي لا تخدم مصالح كينيا الوطنية.
▪️بالتزامن مع هذه التطورات، لعبت المقاومة المحلية الكينية دورًا محوريًا في تعطيل مخطط إعلان الحكومة الموازية، إذ وبعد تأجيلات متكررة، تم التوقيع مساء السبت 22 فبراير، وفي أجواء من السرية والتكتم، على “ميثاق حكومة السلام” في قاعة أحد فنادق حي South C أو South Compton جنوب العاصمة نيروبي، بالقرب من مطار ويلسون. وعلى الرغم من محاولات الجهات الداعمة للترويج للإعلان كخطوة محورية، إلا أن الضغوط الشعبية والإعلامية في كينيا أفشلت المخطط، مما أدى إلى الاكتفاء بميثاق سياسي فضفاض لا يملك أدوات التنفيذ الفعلية، ولا يحظى بأي اعتراف محلي أو دولي.
▪️إضافة إلى ذلك، أصدرت 13 منظمة كينية، من بينها جمعية حقوق الإنسان الكينية ومنظمة مراقبة الفظائع في إفريقيا واللجنة الدولية للحقوقيين، بيانًا يدين فتح الأراضي الكينية لمليشيا الدعم السريع لممارسة أنشطة سياسية، معتبرة ذلك تواطؤًا مع جماعة متورطة في جرائم إبادة جماعية. وأكد البيان أن الحكومة الكينية بهذه الخطوة تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، وتقوض سيادة السودان وتتناقض مع جهود الاتحاد الإفريقي لحل الأزمة السودانية عبر اللجنة رفيعة المستوى وآلية مجلس السلم والأمن الموسعة. وطالب البيان الحكومة الكينية بطرد قوات الدعم السريع فورًا، وتقديم اعتذار رسمي عن استضافتها، داعيًا الاتحاد الإفريقي إلى اتخاذ موقف صارم تجاه أي دولة تدعم تشكيل حكومة موازية.
▪️كل هذه المعطيات تجعل موقف روتو أكثر تعقيدًا، حيث يجد نفسه أمام خيارين: إما الاستمرار في مجاراة الأجندة الإماراتية، بما يحمله ذلك من مخاطر سياسية، أو إعادة تقييم سياساته لتفادي مزيد من العزلة والضغوط الداخلية والخارجية. التحولات في كينيا اليوم تثبت أن ديناميكية الشعوب قادرة على إحداث تغييرات استراتيجية تتجاوز الحدود الوطنية، مما يضع القوى الدولية والإقليمية أمام تحديات جديدة في إعادة حساباتها السياسية.

*_خلاصة القول ومنتهاه_ :*

▪️إن إرادة الشعوب، بما تحمله من مقاومات شعبية ووعي جماهيري، تظل دائمًا أكثر قوة وتأثيرًا من إرادة الأنظمة والحكومات، خصوصًا في مواجهة التحديات المصيرية والوجودية. ففي الوقت الذي تسعى فيه القوى الإقليمية والدولية لفرض سياساتها من خلال المشاريع والمخططات، تظل إرادة الشعوب هي الحاسم الأول في تعديل مسار الأحداث وتغيير المعادلات.
▪️ما يحدث اليوم في القرن الإفريقي من تجليات لوعي شعبي متزايد ضد التدخلات الخارجية يؤكد أن التحديات الكبرى لا يمكن أن تُحسم إلا من خلال الوحدة الشعبية والتمسك بالسيادة الوطنية. ▪️إن التاريخ يعلمنا أن الشعوب، حينما تتحد وتتصدى للأجندات الأجنبية، فإنها تكون قادرة على فرض إرادتها، وتغيير الواقع، بل وإعادة تشكيل المستقبل وفقًا لمصالحها الحقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى