يوسف عبد المنان يكتب : حديث السبت

هل يفتح الفيتو الروسي طريق التعاون الإستراتيجي بين الخرطوم وموسكو؟
غندور اعتذارك مابفيدك!!
الدمازين تسجل حضورها في دفتر انتصارات الجيش، وتحرير الأرض.

هل كان السفير الحارث إدريس على علم مسبق بأن روسيا بصدد تعطيل المشروع البريطاني، الممول امراتياً باستخدام حق النقض؟ ام تفاجأ قائد الدبلوماسية السودانيه في أشرس معارك القتال الناعم بالموقف الروسي؟ وهل اتخذت روسيا هذا الموقف من أجل السودان كصديق استراتيجي ام اتخذت هذا الموقف لحساباتها مع الغرب والمجموعة الاوربية؟
هذه الأسئلة تطرح نفسها في سياق الحدث الكبير الذي شهدته اضابير مجلس الأمن حيث سجلت روسيا موقفاً لصالح السودان، وهي التي لم يسبق لها استخدام هذا الحق لصالح السودان من قبل، منذ أن بدأ صراع السودان ومجلس الأمن، في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي وحتى الآن. وقد تفاجأ السفير الحارث إدريس بالموقف الروسي بعد أن أهدر وقتا طويلاً في الحوار مع البريطانيين والافارقة لتعديل نسخة القرار البريطاني، وقد افلحت الدبلوماسية في أحداث تغيير غير جوهري في نص القرار المفترض إجازته في ذلك اليوم، *والنسخة الحسنة من القرار قد تضمنت إدانة صريحة جدا لقوات الدعم السريع،* وذلك ماطالبت به البعثة وحاولت الحكومة السودانيه تخفيف حدت تعابير القرار لابتلاعه بمرارة في انتظار ماتاتي به قادم الأيام.
ولكن روسيا لحساباتها مع بريطانيا والولايات المتحدة وموقف الأخيرة الداعم لأوكرانيا، وتذويدها بأسلحة وصواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي واتساقا أخلاقيا مع السياسات التي اتخذتها موسكو اتجاه الانفتاح على أفريقيا والبحث عن موارد مثل الذهب واليورانيوم والنحاس والماس وقد تمدد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا وتسعى موسكو منذ وقت لمد نفوذها في البحر الأحمر بعد أن فقدت خليج عدن لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
استخدمت روسيا حق النقض دون النظر لتردد السودان في المضي قدما للتحالف معها وابرام اتفاقيات تسعى لها في مجال النفط والمعادن الأخرى، *وأن يكون لها وجود في البحر الأحمر، مثلما للولايات المتحدة وجود في الشاطي الشرقي من البحر المالح.*

هل بعد أن ابطلت روسيا مشروع القرار البريطاني ودفنته في مرمى أنقاض ونفايات المجلس، هل تشهد العلاقة مع موسكو تطوراً كبيراً، وزيارةً للبرهان للقلعة الروسية تطلع لها الشعب السودان من مدة، ومن قبل الفيتو. والخرطوم تسير خطوةً نحو المعسكر الشرقي، وتؤخر قدماً طمعا في سراب الدول الغربية، التي نضبت مواردها وجف ضرعها، وجاء لأمريكا رئيسٌ يأخذ ولايعطي، ويبحث عن المال بين عمائر الرياض وأبوظبي، وكل بيعة عنده بدولار. وقد حار كثيرون من المراقبين في الأسباب الخفية، التي تجعل الخرطوم تقبل علي من استغني عنها ولم يأبه لها !! وتدبر عن من سعي لها !! وحتى حق النقض في مجلس الأمن وفره لها. ولا زالت الخرطوم تراهن على تفاهمات مع الغرب، ولاتزال آمالها معلقة في استار قصر الملك سلمان في الرياض، وعيونها شاخصة لقصر بيرنغهام في عاصمة الضباب، التي تكيد لها كيداً.
ومن قبل جرت تفاهمات مع الروس على مستويات عليا، بزيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، ووزير المالية، ووزير النفط والمعادن. ولكن روسيا تقرأ جيدا بأن السلطة الحقيقية في السودان بيد البرهان وحده لاشريك له إلا هامش الحركات المسلحة، التي حتى وجودها الآن ورغم استبسالها في الدفاع عن السودان كبلد هناك من لايطيق رؤية جبريل ومناوي، لا من قحاتت وجنجويد تقدم، ولكن من داخل صندوق الحكومة نفسها، ولن تستوي سفينة العلاقات الروسية السودانية في بحر البلطيق من غير أن يضع البرهان يده في يد بوتن ويتبادلان الحديث الخفي، لا على الطريقة التي أحرقت سفن البشير قبل ابحارها من ميناء فيدوفسكي، وكانت سبباً في سقوطه، حينما طلب الحمايه من روسيا بتلك الطريقة المزرية والبرهان اليوم بيده السلطة والقرار، ولن تطمئن روسيا لموقف السودان الا اذا وقعت اتفاقيات طرفها البرهان لأنه (سيد البقرة) والروس لهم مطالبهم ومصالحهم في السودان، وكذلك للبرهان مطالبه من روسيا، ولكن العلاقة مع روسيا تعقبها امتدادات لإيران والهند والصين والبرازيل، مثلما العلاقة مع أمريكا لها تبعات، ولكن هل سأل المراهنون على أمريكا وإسرائيل وبريطانيا ماذا قدمت هذه الدول لحلفائها في المنطقة وماذا أخذت منهم؟٠

جاء في اخبار المؤتمر الوطني أن البروفسور إبراهيم غندور تقدم بإعتذار عن قبول منصب نائب رئيس الحزب الذي بات مكان سخرية عند خصومه، وشيوخ الحزب الذي تقادم وهرم، وهم يتصارعون حول هياكله، وشبابه يتدافعون ويتواثبون للقتال إلى جانب القوات المسلحة، دفاعاً عن الوطن، والأرض، والعرض، والدين. ودفاعاً عن البقاء على ظهر البسيطة. وبروفسير غندور الذي يمثل جيل الوسطية الليبرالية الحديثة ينآي بنفسه من عراك بلا جدوى، وتكالب على هياكل حزب فقد سلطته، وفقد وجوده في الساحة، ويبغضه العسكر والمدنيون، ويحن إليه الشعب الذي ذاق من بعده المر وسهر الليالي، وحرب الويل، وغندور اعتزل الفتنة، أكثر من الزهد في المناصب، وقد أصبح المؤتمر الوطني محل تندر، تتناوله المواقع الإخبارية بسخرية، بما أصابه من تصدع، وغدا جناحين، كل معسكر يلعن الآخر، ويعيد إنتاج رابع من رمضان أخرى، أبطالها ذات الابطال، إن صح وصفهم بالابطال، وانتشر التخوين، وتضاءلت الثقة، والأغلبية التي تجلس على الأرصفة تعض بنان الحسرة، على مايجري في دهاليز الحزب. ويكتب حاج ماجد سوار بمداد من تمزقت نياط قبله حسرة على مايعرض في مسرح العبث الجديد، ويدلق طارق حمزه حروفاً فيها من الرجاء والتوسل للكبار الصغار، بالكف عن اللعب بمستقبل هذا التيار الإسلامي العريض، وكتب المهندس خالد معروف، لكم في تركيا قدوة حسنة، وقال لماذا الإصرار علي مظلة المؤتمر الوطني وقد بليت وأصابها ما أصابها، والشعب والشباب خاصة، ينتظرون ميلاد حزب الكرامة، بثوبٍ جديد، ولكن من ينادي في وادي الصمت، وهل موقف غندور الذي أعلنه يخدم قضية الوحدة ام يعمق الانقسام؟
وقد رفض البرهان في خطابه أمام المؤتمر الاقتصادي يوم الثلاثاء أن يعقد المؤتمر الوطني مؤتمر شواره في الوقت الراهن، ولكن جاء حديث البرهان بعد أن عقد المؤتمر الوطني اجتماعه بغض النظر عن شرعيته، فإن الانعقاد قد تم قبل حديث البرهان وأُختير أحمد محمد هارون رئيساً ولايختلف أحدٌ في كفاءة هارون ودوره في التعبئة ضد الجنجويد، ولكن هل هارون هو الرجل المناسب لقيادة الحزب الآن؟ وهل القيادات التي ساهمت في السقوط يمكن لها أن تنسج من رماد الهزيمة انتصاراً جديداً؟ ومن مظاهر العافية أن القلب النابض للمؤتمر الوطني وهو قلب الشباب المقاتل بالسلاح لم يتصدع ولم يلتفت لجلبة وأنقسامات الكبار، وقد كتب اللواء إبراهيم الخواض وهو من القيادات الفاعلة في المشهد الدفاعي مؤيداً الفريق البرهان في النقد الذي قذف به في وجه شورى الموتمر الوطني، ووقف الخواض بعيدا عن الأطراف المتصارعة داخل الحزب.

مساء الخميس حققت القوات المسلحة انتصاراً آخر في محور سنجه والدندر، وتم تحرير منطقة اللكندي من قبل فرسان الدمازين، وتم أحكام الخناق على مدينة سنجه عاصمة ولايه سنار التي تعتبر من أكبر معاقل الجنجويد في الجزيرة، ولكن متحرك الدمازين الذي شق طريقه ببسالة وحرر مناطق الدندر والسوكي وتوغلت القوات وسط قرى ومدن ولاية سنار التي يمثل تحريرها بكاملها من التمرد بمثابة دفع معنوي كبير جدا للقوات التي تقاتل في المحاور الأخرى، وإذا كانت الفاشر قد جسدت ملحمة التلاحم بين القوات المسلحة وقوات الكفاح المسلح وقوات الاستنفار الشعبي ومجاهدي قبائل دارفور يتقدمهم الزغاوة والفور والمساليت، فإن قوات الحركة الشعبية بقيادة الزعيم ملك عقار تقاتل كتفا بكتف مع القوات المسلحة وقد استبسلت قوات الحركة الشعبية في الزود عن النيل الأزرق، حتى قهرت قوات الجنجويد، وهزم ابوشوتال الذي حاول الانتقام من مالك عقار وتقديم نفسه كبديل، ولكن خبرة عقار وقواته قد رجحت كفته.
صحيح أن مالك عقار اول من ادمج قواته في الجيش ولكن يظل هذا المكون مقاتلاً بشراسة في ميدان المعركة، ولم يعد تحرير مدينة سنجه الا مسألة وقت لا أكثر من ذلك، وحتى إذا تأخر إعلان التحرير أسبوعاً فإن قوات المليشيا التي تتمركز في سنجه انتهى وجودها هناك، وهي محاصرة من كل الاتجاهات، ولم يعد أمامها إلا الموت أو الاستسلام أو الهروب الي دولة الجنوب، حيث يتم تجريدهم من السلاح وتسجيلهم كلاجئين ينتظرون ماتجود به علبهم مفوضية شئون اللاجئين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى