قبيل جلوسهم على مقاعدهم،،
الوزراء الجـدد،، مطلوبات مهمة لنجاح المهمة..
يدخلون وزاراتهم في ظل ظروف بالغة التعقيد أفرزتها تداعيات الحرب ..
لا يملكون عصا موسى، ومطالبون بمؤشرات تفتح أبواباً للأمل..
توحيد الخطاب الإعلامي، وتجريم الميليشيا وداعميها، ملفات تنتظر وزارتي الإعلام والخارجية..
تطمين المجتمعات، وتأمين معاش الناس، قضايا تنتظر وزارتي الشؤون الدينية والتجارة..
مطالبات بتنظيف مفاصل الدولة من أعوان الجنجويد والقحاتة..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
اثنتان وسبعون ساعة مرت منذ إعلان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قراره بتكليف أربعة وزراء جدد لينضموا إلى كابينة الحكومة الاتحادية ضمن التشكيل الوزاري، أو التعديل المحدود ( حتى الآن) في بعض الحقائب الوزارية، وبعد أن هدأت أنفاس منصات التواصل الاجتماعي وصفحات (السوشيال) ميديا، التي كانت تضجُّ بالنقاشات، والجدل، وإعمال التحليلات، يحمل الوزراء الأربعة الجدد الكثير من الهموم والأفكار وربما البرامج، وهم يتوجهون إلى وزاراتهم، ويدلفون إلى مكاتبهم، بعد أن يلتقوا برئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة، ونائبيه ومساعديه لتلقِّي التبريكات، الممزوجة بدعوات الإعانة، والمحمَّلة بالتوجيهات الخاصة بملامح عمل الحكومة للفترة المقبلة.
ظروف بالغة التعقيد:
وينضم الوزراء الأربعة إلى منظومة الحكومة الاتحادية في ظروف بالغة التعقيد، أفرزتها تداعيات الحرب، ولكن الضمير الوطني أملى على هؤلاء الوزراء قبول التكليف بقناعة ورغبة في إحداث التغيير المطلوب من داخل منضدة مجلس الوزراء، كيف لا والوزراء الجدد ليسوا بغريبين عن المشهد وواقعه المرير، فقد كان أربعتهم يتابعون المشهد عن كثب ومنهم من كان مشاركاً بقوة في دعم القوات المسلحة والقوات المساندة لها بالآراء والأفكار والمنافحة بالقلم واللسان، شاهدنا ذلك في قتال وزير الثقافة والإعلام خالد علي الإعيسر على شاشات القنوات الفضائية، ورأينا ذلك في قراءات وتحليلات وزير الخارجية دكتور علي يوسف الشريف، وقطعاً ذلك لا يقلل من جهد الوزيرين الآخرين، سواءً دكتور عمر بخيت وزير الشؤون الدينية والأوقاف، والداعية الإسلامي وأستاذ الدراسات الإسلامية السابق بجامعة الخرطوم، أو الأستاذ عمر بانفير وزير التجارة والتموين، الخبير الاقتصادي والمدير السابق لهيئة الموانئ البحرية، حيث اضطلع الرجلان بجهود مقدرة حملتهما على أكتافها إلى بوابة الوزارتين اللتين لا تقل أهمية عن الخارجية والثقافة والإعلام، و”الموية تكضب الغطاس”.
خسائر فادحة:
قطعاً لا يملك الوزراء الأربعة عصا موسى، ولم يصلوا إلى كراسي الوزارات المعنية، قادمين من كوكب آخر، لذلك لا نتوقع منهم تغييراً جذرياً في بنية وزاراتهم يُحدثونه على المدى القريب، عطفاً على الظروف الاستثنائية التي تسلموا فيها مهامهم الاستثنائية في ظل تداعيات الحرب وما أفرزته من تكاليف وخسائر باهظة في الجوانب الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، سواءً ما وقع من خسائر في الأرواح والأنفس والممتلكات، أو ما وقع على مستوى فقدان البنية التحتية من المباني والمؤسسات والأعيان المدنية، والطرق والجسور، أو ما أصاب جسد الخدمات الضرورية التي تُقدم للمواطنين من شلل وتردي وموات، فانعكس تأثير ذلك كله على حالة عدم يقين، ترتفع موجاتها مع استمرار الحرب وتطاول أمدها لتضرب نفوس المواطنين.
توحيد الخطاب الإعلامي:
ومع ذلك فإن الكثير من المراقبين يراهنون على إمكانية حدوث مؤشرات سريعة وملموسة لحركة تغيير مبدئي تنتظم ساحة الوزارات الأربع، فعلى صعيد وزارة الثقافة والإعلام، يتطلع الشارع إلى توحيد الخطاب الإعلامي وتماسكه، من خلال وضع الآليات القوية التي تُراعي التناغم والتنسيق الكامل في المواقف بين المنصات الإعلامية في المؤسسات الحكومية كافة، وبخاصة في القضايا المتعلقة بمسار الحرب من خلال الاستمرار في تعرية ميليشيا الدعم السريع المتمردة، بفضح الانتهاكات التي ترتكبها في حق المواطنين الأبرياء والعزل، أو كشف المؤامرات التي تحيكها المحاور الداعمة للميليشيا المتمردة سواءً على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي، فتوحيد الخطاب الإعلامي المنطلق من منصة واحدة، من شأنه أن ينعكس إيجاباً على تماسك واستقرار المشهد، قبل أن يمزق فاتورة تنافر التصريحات وتضاربها والتي كثيراً ما استغلها المرجفون في المدينة للإضرار بحالة المشهد.
المرتجى من المنابر الدعوية:
وما قيل على وزارة الثقافة والإعلام، ينسحب على وزارة الشؤون الدينية والأوقاف خاصة فيما يتعلق بتوحيد الخطاب الدعوي من على منصة المساجد ودور التعاليم الدينية، وبثِّ كل ما من شأنه أن يرسل التطمينات ويثبت القلوب والأفئدة، ذلك أن الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها ميليشيا الدعم السريع المتمردة في حق المواطنين، وما تمارسه من إرهاب وترويع للنفوس، لم تفرّق في ذلك بين مسلمين ومسيحين، تخالف هذه الانتهاكات والجرائم كل التعاليم الدينية، وبجانب جرائمها الإنسانية فقد انتهكت ميليشيا آل دقلو الإرهابية حرمات المساجد ومارست فيها الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وامتدت يد الميليشيا لتطال الكنائس، وتنال من وقار القساوسة ورجال الدين المسيحي، وهي جرائم وانتهاكات ينبغي أن تتصدى لها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف من خلال هذه المنابر الدعوية، وهي أنشطة وبرامج يمكن أن تؤتي أُكلها سريعاً.
خطاب دبلوماسي متوقع:
وعلى صعيد وزارة الخارجية يتوقع المراقبون تأثيرات سريعة يعكسها الخطاب السياسي والدبلوماسي الداعم لمواقف الحكومة والمبشِّر بسياساتها وخططها وبرامجها المرتكزة في المرحلة الحالية على تعزيز ما تم خلال الفترة الماضية من تجريم ميليشيا الدعم السريع، وتحريك القضايا والشكاوى المرفوعة والمشفوعة بالأدلة والبراهين ضد مسانديها من المحاور الإقليمية والدولية والتي دعمت الميليشيا بالعدة والعتاد الحربي واللوجستي مما ساهم بشكل مباشر في إحداث الخسائر الكبيرة التي تعرض لها السودان ومازال يتعرض لها، على ضوء استمرار هذا الدعم الذي يؤجج من أوار الحرب ويزيد اشتعال نيرانها، الأمر الذي يساهم بشكل واضح في تطاول أمد الحرب.
معاش الناس:
وعلى صعيد وزارة التجارة والتموين تبدو المهمة أصعب في حدوث تغييرات سريعة وملموسة على المشهد الاقتصادي، أو على صعيد الجوانب المتعلقة بمعاش الناس، باعتبار أن السودان تحوَّل جراء هذه الحرب إلى بلد مستهلك في ظل توقف وتراجع الكثير من قطاعات الإنتاج سواءً القطاع الزراعي أو القطاع الصناعي، وبالتالي فإن المواطن ومقارنة بالوزارات الثلاث الأخرى سينتظر وقتاً أطول من وزارة التجارة والتموين ليستشعر تغييرات ملموسة في معاشه أو واقعه الاقتصادي، مع ضرورة التأكيد على أن سُرَّة الاقتصاد الوطني تبقى مرتبطةً بوزارات أخرى ومؤسسات معنية بتحريك دولاب الاقتصاد القومي، كوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، أو وزارة المعادن، أو وزارة الزراعة، أو وزارة الثروة الحيوانية، أو شركة الموارد المعدنية، أو بنك السودان المركزي، أو شركة المناطق والأسواق الحُرّة وغيرها.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ هي محاولات للإمساك بيدي بعض المطلوبات العاجلة من الوزراء الأربعة لتكون بمثابة مؤشرات حقيقية بإمكانية تحقيق النجاح المرجو، وتلبية أشواق الشارع السوداني، بيد أن التحدي الماثل والذي ينبغي أن تجابهه الحكومة السودانية مجتمعةً بأجهزتها المختلفة على الصعيدين المركزي والولائي، يكمن في تنظيف مؤسسات الدولة ومفاصلها من المتمردين وداعميهم والمتضامنين معهم وما أكثرهم، ذلك أن واقع الحرب قد مايز الصفوف فتجلّت حقيقة الصورة، واتضحت المواقف، فلا مكان لمن يرهن نفسه للخارج مرتمياً في أحضان العمالة والارتزاق، ويجلس في الوقت نفسه على مقعد وثير في منظومة الدولة عبر مؤسساتها المختلفة على صعيد القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، ( إِنَّما جزاءُ الذين يُحارِبون اللَّه ورسوله ويسعون في الأَرض فساداً أنْ يُقتَّلوا أَو يُصلَّبُوا أَو تُقطَّع أَيديهِم وأَرجلهم من خلاف أَو يُنفَوا من الأرض ذلك لهم خِزْيٌ في الدنيا ولهُمْ في الآخرة عذابٌ عظيم)