تروج الهيئة القيادية للقوى المدنية “تقدم” لخارطة طريق تقود إلى إنهاء الصراع الذي يشهده السودان منذ أبريل الماضي، لكن مراقبين يرون أن الخارطة المطروحة هي بمثابة نسخة معدلة عن الاتفاق الإطاري.
الخرطوم – تعقد الهيئة القيادية للقوى المدنية الديمقراطية (تقدُم) اجتماعا الأسبوع الحالي في جوبا لتقديم مقترحاتها بشأن خارطة الطريق التي طرحتها أخيرا لحل الأزمة في السودان بعد أن تلقى رئيسها عبدالله حمدوك دعوة من حكومة جنوب السودان.
وطرحت “تقدم” رؤية لأجل الوصول إلى حل سياسي توافقي بمشاركة الأحزاب المدنية والجيش والدعم السريع، مثيرة بذلك تساؤلات حول قدرة الأطراف غير المنخرطة في الحرب على التفاهم بما يفضي إلى وقف إطلاق النار والتأسيس لعملية سياسية مستقبلا.
وشددت خارطة طريق التي أعلنها تحالف “تقدم” الأربعاء على عقد اجتماع تشاوري تحت رعاية الميسرين الإقليميين والدوليين، يضم ممثلين عن الجيش والدعم السريع والقوى المدنية لحل النزاع وتحديد دور الوسيط والأطراف والقضايا والضامنين والمسهلين استنادا إلى خارطة طريق وإعلان مبادئ للحل السياسي.
نبيل أديب: المفاوضات يجب أن تنصب على وقف الحرب في السودان
وتطرقت الخارطة إلى الأسباب التي قادت إلى اندلاع الحرب، وبينها إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية وفقا للمعايير المتوافق عليها دوليا، على أن تؤدي إلى تشكيل جيش واحد يضع حدا لظاهرة تعدد الجيوش خارج إطار المؤسسة العسكرية القومية.
ويؤكد متابعون أن ما طرحته “تقدم” يستهدف حجز موقع سياسي لها في التحركات الساعية للحل بغض النظر عن قدرتها على تنفيذ ما توصلت إليه من عدمه، والمهم أن تكون طروحاتها موجودة على الطاولة، حال كانت هناك نية لوقف إطلاق النار، وبالتالي يمكن التعامل مع الخطوة على أنها تكتيك قد لا يؤثر بشكل فاعل في المشهد الراهن.
ولم يختلف الإطار العام الذي طرحته “تقدم” عما جرى طرحه في سياق الاتفاق الإطاري الموقع عليه بين المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والجيش والدعم السريع قبل اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي.
وتبدو عملية إعادة الطرح بلا تفاصيل حول آليات التعامل مع تعقيدات قادت إلى الصراع المسلح أشبه بدوران في فراغ ما لم يوجد ضغط دولي يدفع نحو إنهاء الحرب، وسيكون اجتماع جوبا محاولة لتوضيح الرؤية التي تحملها “تقدم”.
وقالت عضو الحزب الوطني الاتحادي الموحد انتصار الطيب إن ما طرحته “تقدم” قابل للتنفيذ مع صدور تصريحات إيجابية من الجيش والدعم السريع بشأن إمكانية الجلوس على منصة تفاوضية، لكن ما يثير الهواجس هو الثمن الذي ستقدمه القوى المدنية والشعب السوداني لوقف إطلاق النار وتأسيس حكم مدني ديمقراطي.
وتتولد مخاوف لدى العديد من السياسيين بشأن غياب الحركات المسلحة عن تنسيقية “تقدم” بعد انحياز بعضها للجيش، وظهور ملامح حشد عسكري في شمال دارفور، فضلا عن القلق من سير القوى المدنية في اتجاه طريق محدد في ظل وجود طرق غير معلنة يسلكها آخرون ويبحثون من خلالها عن حلول مناطقية تخدم مصالحهم.
وأضافت الطيب في تصريح لـ”العرب” أن الحركات المسلحة لديها مظالم تاريخية لا بد أن تكون حاضرة في أي حلول مستقبلية، خاصة حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور والحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، وتجاوزهما في أي مسار سياسي يعيد الموقف إلى المربع الأول.
خارطة طريق التي أعلنها تحالف “تقدم” شددت على عقد اجتماع تشاوري تحت رعاية الميسرين الإقليميين والدوليين، يضم ممثلين عن الجيش والدعم السريع والقوى المدنية لحل النزاع
وأكدت أن الاتفاق الإطاري تطرق إلى الترتيبات الأمنية المتعلقة بالحركات المسلحة ووضع حركتي نور والحلو، وكانت ورشة الملف الأمني وتوزيع الثروة والسلطة من أهم الخطوات التي كان من المفترض أن تؤسس لوضع سياسي إيجابي في البلاد قبل اندلاع الحرب، ويبقى الرهان الحالي على مدى المساندة الدولية لـ”تقدم”، والتي تسهم في إيجاد نافذة للوصول إلى حل يبعد شبح التقسيم عن السودان.
وأشارت الطيب إلى أهمية الجلوس على طاولة تفاوض تشمل قضايا الأزمة السودانية لاقتراح الحلول الفعالة التي تجيب على الأسئلة الرئيسية بما يحقق وحدة البلاد والحكم المدني الديمقراطي والجيش الواحد المهني القومي الذي ينأى عن السياسة والاقتصاد وتفكيك مكونات النظام السابق وتحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب وإنصاف الضحايا وجبر الضرر وإعادة الإعمار.
وتوافقت قوى سياسية، بينها قوى الحرية والتغيير، في 26 أكتوبر الماضي على تسمية رئيس الوزراء المستقيل حمدوك رئيسا مؤقتا لـ”تقدم” مع وجود 60 عضوا لمتابعة التحضير للمؤتمر التأسيسي للتحالف المقرر عقده قبل نهاية العام الجاري.
وقدم ائتلاف الحرية والتغيير مؤخرا خارطة طريق لطرفي القتال (الجيش والدعم السريع) لوقف الحرب، تضمنت عقد لقاء مباشر مع القادة العسكريين في الفريقين لمناقشة التفاصيل، واقترحت جمعهما في لقاء مباشر.
ويعزز خطاب تقدمت به تنسيقية القوى المدنية قبل أيام إلى الأمم المتحدة لتمديد عمل بعثة “يونيتامس” ورفض مساعي الحكومة إنهاء عملها، حضورها الذي يعول عليه دوليا لإحداث اختراق يجعلها أكثر حضوراً في التسوية المنتظرة.
وناقش مجلس الأمن في جلسته، الجمعة، الموقف من بعثة “يونيتامس” بعد طلب الخرطوم إنهاء مهامها، على الرغم من تعيين رئيس جديد للبعثة هو الجزائري رمطان لعمامرة بدلا عن فولكر بيرتس الذي قدم استقالته في سبتمبر الماضي.
وقلل المحامي والسياسي السوداني نبيل أديب من قدرة القوى المدنية على تحقيق رؤيتها، مشيراً إلى أن المهمة العاجلة تتعلق بإعادة الأمن والنظام في البلاد، وأن ما طرحته “تقدم” بشأن تشكيل جيش مهني واحد أمر متفق عليه وكان من المفترض تنفيذه بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري لولا اندلاع الحرب، وليس من المعقول إعادة التباحث حول أدوات الحل السياسي مجدداً في هذا التوقيت.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المفاوضات يجب أن تنصب على وقف الحرب وأن تكون القاعدة الأساسية بين الطرفين المتصارعين، أما الحديث عن مستقبل البلاد فيصعب التطرق إليه في غياب جبهة مدنية واسعة تضم كافة الأطياف بلا إقصاء، ويكون الطرف العسكري الذي يمثله الجيش الموحد حامياً للعملية السياسية وليس متداخلاً فيها، ووجوده في أي مباحثات مستقبلة كطرف حام.
وقدم تحالف “تقدم” مقترحات عملية بشأن دعم جهود منبر جدة للوصول إلى وقف عدائيات يمكن تطويره إلى وقف لإطلاق النار بآليات مراقبة فعالة، وسبل ربط الجهود بعملية سياسية لا تستثني أحدًا سوى المؤتمر الوطني المحلول، ومنسوبي الحركة الإسلامية وواجهاتها المختلفة.
ويسعى أنصار الرئيس السابق عمر البشير إلى إفساد كل تحركات من شأنها جعل الحل مدنياً خالصًا، ويحاولون بعثرة أوراق المنصات التي تهدف إلى وقف إطلاق النار.
ويستفيد هؤلاء بشكل مباشر من تعقيدات الوضع الراهن، ما يشكل عائقا أمام القوى المدنية التي سوف تواجه بمعارضة قوية من أعضاء النظام السابق قد يدفع نحو تكرار مشكلات الفترة التي أعقبت نجاح ثورة ديسمبر