عبد الناصر يعقوب يكتب : الاتفاق الاطاري وتناقضات النخب السودانية الدولة السودانية الحديثة بنيت علي كثير من المتناقضات

 

السودانيون لم يستفيدوا من التاريخ فالسودان الذي فشلت فيه النخب السياسية والعسكرية على حد سواء والتي لم تستطع أن تقدم نموذجا مثاليا فبالرغم أن السودان به من العلم والثقافة والفكر والأدب الكثير إلا أن العجز السياسي أعاق كثيرا من التقدم الفكري في نواحي الحكم والخدمة المدنية والتنمية الاقتصادية والبشرية ولم نري أي فكرة أو أطروحة يتم تطبيقها بمعزل عن التخبطات السياسية والأيدولوجيات المتصارعة فالصراع الفكري واختلاف الأطروحات الحزبية عطلت التوافق على مشروع وطني و ميثاق يلتف حوله السودانيون.
ومن العروف والمعلوم أن كافة الانقلابات العسكرية تلك تم إسقاطها بثورات شعبية في 1964 و1985 و2019 السودان لم يحظى بدستور دائم في فترة الديمقراطية التي أعقبت تلك الثورات وأن النخبة السياسية التي أدمنت على صراع السلطة هي التي أدخلت الجيش في معادلة السياسة بل وحفزته وجعلته أحد العوامل المؤثرة طيلة العهود الماضية بل والأدهى والأمر هو سطوة العسكر على كل مجريات الحكم في السودان عقود طويلة جعل العقلية العسكرية تظن أن لها الأولوية في السلطة وأن لها القدح الأكبر والأحقية الأولي لتولي قيادة البلاد وفي الواقع هذه العقلية لا تزال موجودة حيث أن كل من الفريق عبود ومن خلفه نميري والبشير والان السيد البرهان ليس لديهم شك أن السلطة هي حق شرعي لهم وهذا ما جعلهم يتعاملون مع المعارضة السياسية بصلابة وعنف فحتي الزعيم إسماعيل الأزهري رحمه الله لم يحظ بما يليق به في فترة حكم مايو ولم تشفع له سيرته الذاتية الناصعة في تعاطف العسكر معه . وتميز كل من النميري والبشير على عبود بالأدلجة الفكرية التي أدت إلى تعاون الأحزاب معهما في تسيير برنامج حزبي يقوم العسكر بحمايته وفرضه بالقوة إن لزم الأمر ..وهذا مما أثر بشكل واضح علي السودان وجعل منه واحدة من افشل دول العالم .
لقد ظهرت الأزمات التي عكسها غياب المفهوم الموضوعي للنخبة في وقت مبكر، وعبر احتجاجات تطورت في ما بعد إلى مشكلات وحراك مسلح، عقب تمرد توريت بجنوب السودان عام 1955، وقد كان ذلك التمرد العسكري مؤشراً دالاً بذاته إلى خطورة الفهم الذي انطوى عليه مفهوم النخبة السودانية آنذاك لمعنى السودان، حيث يظهر ذلك تماماً في معاني نشيد مؤتمر الخريجين الذي كتبه خضر حمد (ومؤتمر الخريجين كان آنذاك هو خلاصة النخبة السودانية)، فقد جاءت في ذلك النشيد جملة تقول: “أمةٌ أصلها للعرب”، وبكل تأكيد هنالك عرق عربي في السودان، لكن السودان في جهاته الأربع لم يكُن عربياً بالمعنى العرقي للأصول، وإن كانت لغته العامة وثقافته المشتركة عربية.
الأمر الذي انعكس في تطور كثير من الأزمات آنذاك كان يمكن حلها لو تم استدراك الوضع، لكن بسبب التصور الذي حملته النخبة المناطقية آنذاك والتي علب علي ظنها أنه تصور قومي، تحولت تلك الأزمات المبكرة مع مرور الوقت إلى أزمات عميقة جداً، وتحولت الاحتجاجات معها إلى حمل السلاح من أجل نيل الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية المستحقة للجماعات السودانية، وكانت ذروة الأمر مع انقلاب الإنقاذ عام 1989، فاشتعلت الحروب الأهلية في الجنوب ودارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وشرق السودان نتيجة للتراكمات التي أهملت تلك الجماعات السودانية . واتت اتفاقية جوبا للسلام المعطوبة فعمقت ازمة الهوية السودانية وتدخلت النخب الفاشلة كالعادة وجعلت من الاتفاقية حصان طروادة الذي تريد ان تمتطيه لتعود حاكمة مسيطرة فظهرت النزعات الانفصالية المناطقية مستعينة بالعصبية القبلية المقيتة وتولت كبر ذلك أحزاب وجماعات تدعي المدنية واخري تدعي الإسلام المزيف فوصلنا الي حالة اللادولة فانشرت الجماعات المسلحة الموقعة علي اتفاق جوبا وغير الموقعة منتهكة ابسط الأعراف تحت بصر ونظر الحكومة العسكرية
• الاتفاق الاطاري ديسمبر 2022م
رغم المعارضة التي وجدها هذا الاتفاق من قوي سياسية وثورية فاعلة اري انه يمثل نقطة تحول كبيرة لفك الانغلاق السياسي الذي احدثه انقلاب 25 أكتوبر 2021م والقوي التي عارضت الاتفاق وتسعي لا سقاطة من اليمين واليسار اعتراضها ليست علي ما احتواه الاتفاق وبنوده انما تري ان قوة محددة انفردت بالاتفاق وهذا لعمري يمثل خلاصة تناقضات النخب السودانية التي تمتهن العمل السياسي كمصدر من مصادر الدخل والوجاهة المجتمعية بعيدا عن مصالح الوطن والمواطن الذي يفتقد لأبسط مقومات الحياة . ان الحياة السياسية في السودان تحتاج الي حكماء وعقلاء لتغير مسارها المعوج منذ 1955م والوطن يعيش تحت تناقضات اليمين واليسار يمارسون الهتاف والصراخ الصبياني لتعطيل حياة المواطن المغلوب علي امره … ان الاتفاق الاطاري يرسي قواعد جيدة لجلوس كل المكونات المدنية الثورية للتوافق عليه وتقديم مصلحة الوطن بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة لتتوسع قاعدة التوافق حول الاتفاق النهائي فلا مخرج للوطن من اتفاق شامل ينهي حالة الجمود لينعم المواطن بالأمن الامان داخل بيته بعيدا عن عصابات النهب والسلب الموجة من الجماعات السياسية وليعود السودان وطن حر يسع الجميع .

ختاما :
ختاما يبدوا أن قدر السودان أن يدور بين رحى الأحزاب والعسكر بالرغم من الدروس التي قدمها الشعب للنخبة الحاكمة إلا أنها لا تزال في غيها القديم فستظل النخبة مدمنة على الفشل حتى تخرج من الجماهير الثائرة وجوها جديدة وأجساما جديدة خالية من التناقض الفكري مؤسسة لفهم جامع يقود البلاد لبر الأمان ولتذهب البندقية والجيوش لحماية الوطن وتذهب الأحزاب إلى محاكمات فكرية تراجع نفسها وترتدي علم الوطن .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى