خلال الأيام الماضية كثر الحديث عن انقلاب عسكري وشيك ومن روحو للانقلاب برروا لذلك بخطوة إغلاق وتتريس الطرق ولكن يبدو أن هؤلاء لم يقوموا بقراءة الواقع جيدا.. فالاحتقان الكبير وانسداد الأفق السياسي وغلاء المعيشة هذه الأسباب وحدها ليست كافية لقيام انقلاب عسكري لعدة أسباب.
في السابق كانت مثل هذه الظروف (غلاء المعيشة، ندرة السلع، ارتفاع سعر الصرف، التظاهر المستمر…الخ) تقود لانقلاب عسكري ولكن الآن الوضع اختلف تماما.
أي إنقلاب عسكري يحتاج لدعم خارجي وسند داخلي يتمثل في الحاضنة السياسية التي تسانده وتساعد في التخطيط له وتتبني الانقلاب بعد وقوعه، والان لا توجد حاضنة سياسية تستطيع تحمل تبعات انقلاب عسكري سيجد الرفض من الشارع السوداني.
الأحزاب التي يمكن أن تكون حاضنة سياسية لانقلاب عسكري هي (المؤتمر الوطني وحزب البعث والحزب الشيوعي) على صعيد المؤتمر الوطني فالاسلاميين قد استفادوا من تجربة ٨٩ ولم ولن يقدموا على هذه الخطوة التي ستفقدهم الكثير من عضويتهم وقد تسببت سابقا في انقسامهم لوطني وشعبي وادت لذهاب حكمهم حينما انحاز البشير للعسكريين في آخر ايامه وأصبح بمسافة واحدة من الجميع ، ولو أرادوا ذلك لايدوا وساندوا انقلاب رئيس الأركان الفريق هاشم الذي حينما استشار قياداتهم زجروه ووبخوه وهنالك من يرى أنهم من افشل انقلابه!!.
حزب البعث والحزب الشيوعي والمؤتمر السوداني قيادات هذه الأحزاب يمكنها أن تتبنى أي انقلاب عسكري يخلصها من البرهان الذي ابعدهم من السلطة وزج بقياداتهم في السجون لكنها أحزاب صغيرة لا تملك التأثير الفاعل علي الشارع ولا القيادات التي باستطاعتها تنفيذ انقلاب عسكري ناجح، أضف لذلك العداء المستحكم بين هذه الأحزاب وحميدتي.
ومن ثم فإن المزاج العام وقواعد هذه الأحزاب على قلتها والشباب الثائر الذي تعلم السياسة بعد ١١ أبريل و(الجيل الراكب رأس) لا يقبل أي انقلاب عسكري فالتصعيد المستمر عقب قرارات ٢٥ أكتوبر أكبر دليل على ذلك.
في السابق كان الانقلاب العسكري يحتاج فقط للتتنسيق بين قادة أو ضباط عظام من ٧ أسلحة في الجيش ويدار من داخل القيادة العامة مع التركيز حول ثلاثة أسلحة أو إدارات رئيسية، أما الآن فالوضع قد اختلف تماما بوجود قوات الدعم السريع التي يجلس قائدها على كرسى الرجل الثاني في الدولة ويتطلع للوصول لكرسي الرئاسة وهنا يصعب التنسيق بين قيادات دنيا في الجيش والدعم السريع الذي ينحصر القرار فيه بين حميدتي وشقيقه عبد الرحيم فقط وبقية الضباط مجرد تمومة جرتق ليس بإمكانهم اتخاذ أي قرار بتحريك القوات أو السيطرة عليها، كذلك عدم ثقة ضباط الجيش في الدعم السريع وقد جاهر العديد من الضباط برفضهم لتمدد ووجود الدعم السريع وأكبر دليل على ذلك ما تم تسريبه من محاكمات انقلاب الفريق هاشم وانقلاب بكراوي الأخير.
وجود الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا وانطلاق هذه الحركات من أيديولوجيا مختلفة يجعل التنسيق معها لانقلاب عسكري شبه مستحيل، رغم أن قيادات تلك الحركات يمكن أن تعمل مع إبليس إذا ضمن لهم وجودهم في السلطة.
الانقلاب العسكري يحتاج لدعم خارجي يتمثل في المعلومات الاستخباراتية قبل الانقلاب والتأييد والمساندة بعده ولكن انقسام السودان بين المحاور يجعل أي انقلاب عسكري مغامرة غير محمودة العواقب ولا تجد أي دعم خارجي.
لذا فالحديث عن انقلاب عسكري مجرد هراء لا يسنده منطق ولا يتحدث به عاقل.