شرف الدين احمد حمزة يكتب : السودان ومصر_منظورات جديدة للعلاقات(تحديات البقاء والنماء)(5)

الخرطوم : الحاكم نيوز
●في أعقاب زيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات لإسرائيل في زيارته التاريخية بعد إحراز نصر حرب أكتوبر عام 1973وضمن ما تم الإتفاق عليه تكوين لجان مشتركة بين مصر وإسرائيل لوضع الإطار العام للسلام المنشود بينهما_وبدأت عندها أعمال أول هذه اللجان وهي”لجنة فض الإشتباك العسكري بين الجيشين”المصري والإسرائيلي والتي عرفت “بمباحثات الكيلو101″حيث كان الوفد العسكري المصري المفاوض برئاسة الفريق أول”محمد عبد المغني الجمسي”ونظيره الإسرائيلي برئاسة الجنرال الإسرائيلي”زيون”داخل خيمة صحراوية تم إعدادها على خطوط التماس بين الجيشين المصري والإسرائيلي.

●بدأت هذه المحادثات في أكتوبر عام 1974وبالتزامن مع هذه المحادثات وفي يومها الأول نشرت صحيفة “يديعوت آحرونوت”الإسرائيلية مقالا مطولا بعنوان”المياه والسلام”بقلم خبير شئون المياه الإسرائيلي”د.اليشع كالي”رئيس إدارة شركة تاحال الإسرائيلية للمياه أوضح خلاله أن قضية السلام المنشود بين مصر وإسرائيل يمكن حلها والوصول إلي غاياتها عبر التبادل المائي مع إسرائيل العطشى،وتقدم بمقترحات عامة حول رؤيته تلك بأن تقوم مصر بإمداد إسرائيل بالمياه بنسبة%1من الإيراد السنوي لنهر النيل وبذلك يمكن لمصر الحصول على سلام دائم مع إسرائيل يترجم مقولة الرئيس السادات أمام “الكنيست”الإسرائيلي وقبلها أمام أعضاء مجلس الشعب المصري بتمنياته بأن تكون حرب اكتوبر هي آخر الحروبات بين مصر وإسرائيل!!!!

●لقد أحدث مقال مهندس المياه الإسرائيلي دويا هائلا في الأوساط المصرية الشعبية والسياسية والعربية خاصة وأن مقال”د.اليشع كالي”قد تمت ترجمته ونشره في اليوم الثاني مباشرة على مساحة صفحة كاملةعلى صفحات جريدة الأهرام المصرية وببنط مقروء.
وتبارت الأقلام في الصحافة والمجلات المصرية بين الرفض والقبول وكان للندوات السياسية داخل مصر حظا في تداول مقترح المياه الإسرائيلي سيما وأن مصر السادات كانت تتمتع بقدر من حرية الصحافة ومناخ الحريات العامة بعد أن أطاح السادات”بمراكز القوى”المعارضة لتوليه السلطة خلفا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر وإطلاق سراح سجناء السياسة وعزز شعبيته بنصر أكتوبر وزيارته لدولة الكيان العبري تلك الزيارة التي توازيها في ذهنية وعقل قطاع واسع من “أبناء البلد”في الشارع المصري وصول رجل الفضاء الروسي”يوري جاجارين”والكلبة”لايكا”إلي سطح القمر!!!

●في تلك الأثناء وضمن مباحثات”الكيلو101″طلب الجنرال “زيون”رئيس الوفد العسكري الإسرائيلي من الفريق أول محمد عبد الغني الجمسي رئيس الوفد العسكري المصري أن يخرجا معا من خيمة المحادثات لتداول ملاحظات مهمة_حيث إفترشا معا رمال الصحراء وجلسا على الأرض حينها أخرج الجنرال الإسرائيلي زيون خارطة وطرحها على الرمال وقال للفريق الجمسي أنتم في مصر تعيشون أزمة إقتصادية خانقة ومواردكم الإقتصادية ضعيفة وبجواركم بحيرة بترولية هائلة في ولاية”برقة”الليبية وأضاف بأنها إمتداد طبيعي للأراضي المصرية من جهة الغرب ويمكنكم التقدم نحو”برقة”الليبية وحل المشكل الإقتصادي حلا نهائيا!!

●عاد الوفد العسكري المصري من جولة مباحثات “الكيلو101″وقدم تقريره للرئيس السادات وقد تضمن التقرير الملاحظة التي أبداها الجنرال الإسرائيلي “زيون”بشأن بترول”برقة”الليبية فقام الرئيس السادات بوضع خطوط بقلمه الأحمر أسفل السطور التي تناولت حديث الجنرال”زيون”حول بترول برقة وعلاقته بأزمة الإقتصاد المصري وكونها أي برقة تعد إمتدادا للأراضي المصرية.
كان السادات قد غضب غضبا عارما من الرئيس الليبي معمر القذافي لطلبه سحب طائراته المقاتلة التي دعم بها الأسطول الجوي المصري أثناء حرب أكتوبر وقد نال منه السادات بأقذع العبارات في خطاباته بعد الحرب في مناسبات متعددة ووصفه بالجنون والخلل العقلي وجنون العظمة،وكان القذافي قد بدأ بتمويل حملات إرهابية داخل مصر وآخرها كانت تفجير بعض خلاياه لعبوات ناسفة داخل قطار الإسكندرية عند وصوله إلي”طنطا”بمحافظة الغربية وعكسها الإعلام المصري بكثافة بما شكل رأيا عاما داخل مصر لكراهية العقيد معمر القذافي.

●بعدها بفترة غير قليل قطعت الإذاعة المصرية إرسالها الراتب على جميع موجاتها العاملة وأذاعت بيانا عسكريا مهما مفاده أن طائرات ليبية مقاتلة قد إخترقت المجال الجوي المصري وحاولت ضرب أهداف إستراتيجية في العمق المصري لكتها باءت بالفشل وأن طائرات سلاح الجو المصري قد لاحقتها حيث لازت الطائرات الليبية المغيرة بالفرار.
ولأكثر من يومين ظلت الإذاعة المصرية تذيع بين الفينة والإخرى بيانات عسكرية متتالية مفادها قيام سلاح الطيران المصري بضرب ودك مستودعات ومعامل تكرير البترول في “برقة”الليبية وأهداف أخرى متنوعة ردا على الإعتداء الليبي_وشملت الضربات الجوية أهداف ومواقع مدنية بما أحدث خسائرها هائلة في الأرواح عكسها الإعلام العالمي وتدليلا على تعاظم الخسائر البشرية ذكر الأستاذ/محمد حسنين هيكل في كتابه(المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل)أن كبير الجراحين”بمستشفى برقة العام”وكان مصري الجنسية قد سارع إلي مكتب بريد برقة وأرسل برقية عاجلة للرئيس السادات قال عبرها((سيادة الرئيس أرجوك أوقفوا القصف الجوي فإنني لا أستطيع معالجة جرحى القصف الجوي لأن عيناي ممتلئتان بالدموع))!
عندها تدخل العالم وطلبت أمريكا وروسيا وفرنسا والقوى الدولية الأخرى والأمم المتحدة من الرئيس السادات إيقاف عمليات القصف الجوي وبالفعل توقف القصف الجوي المصري”لبرقة”الليبية حيث أعلن السادات بأنه قد أعطى القذافي درسا لن ينساه وبالطبع فإن السادات نفسه قد أخذ درسا معه بفشل نصيحة الجنرال الإسرائيلي”زيون”رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض بمباحثات الكيلو”101″والتي رفعها إليه الفريق محمد عبد المغني الجمسي ضمن تقريره بشأن نتائج مباحثات فض الإشتباك بين الجيشين المصري والإسرائيلي تلك”النطيحة”التي وضع السادات خطوطا بقلمه الأحمر تحت أسطرها وظن أنها فعلا المخرج لأزمة الإقتصاد المصري!

●ومضى الرئيس السادات كما أوضحنا ف الحلقة الرابعه السابقة في البدء وإعطاء الإشارة لحفر ترعة السلام في أكتوبر1979والتي أفتتحها الرئيس محمد حسني مبارك في إحتفال رسمي عام 1993 في إحتفال رسمي وبهذا فقد باتت وأضحت وأمست ترعة السلام بأهدافها المعلنة ومواصفاتها وحساباتها التي أوضحها”د.اليشع كالي””رئيس شركة تاحال”الإسرائيلية للمياه وأصبحت حقيقة لا خيالا ولا إحتمالا! حيث طور نظريته ضمن كتابه لاحقا بعنوان(السلام والمياه وجهة نظر إسرائيلية).

●السؤال الجوهري هنا لماذا صمت الجانب الإثيوبي ضمن أزمة سد النهضة في إثارة الإلتزام المصري بتوصيل حصة من مياه نهر النيل إلي إسرائيل؟!
ولماذا صمت كذلك الجانب السوداني عن هذا الأمر طويلا ولم يبد أي إهتمام على أي مستوى من مستويات التفاوض مع الجانب المصري تحسبا للمستقبل الذي يمكن أن يهدد بإستغلال فوائض حصة السودان غير المستغلة لتغطية الإحتياجات الإسرائيلية وفق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية؟!!!
إن حسابات قسمة المياه بين دول حوض النيل الأزرق التي تطالب بها إثيوبيا مؤخرا سوف تكشف المستورذلك لأن إثيوبيا مدركة تماما للإلتزام الرئاسي المصري والملاحق السرية لمعاهدة السلام المصرية التي تضمنت الإلتزام المصري بتوصيل مياه إلي إسرائيل،وأنه للعلاقة الإستراتيجية القائمة بين إثيوبيا وإسرائيل منذ عصر الإمبراطور”هيلاسيلاسي”والتي لا تزال ممتدة وقائمة على رؤية إستراتيجية فإن إسرائيل من المؤكد قد أحاطت إثيوبيا بكل ما يتعلق بشأن العلاقات”السيامائية”بين مصر وإسرائيللكن دخول إسرائيل إلي عضوية دول حوض النيل الأزرق يتطلب نفسا طويلا ولأسباب قوية مثل التعقيدات الحالية لمباحثات سد النهضة والذي حتما ستكون الحلول الدولية المقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية وربائبها بالبنك الدولي وأقسام تسعيرة المياه التي ستشمل الجانب الإسرائيلي بعد أن تطبق تسعيرة المياه التي شملتها التعديلات المتنوعة التي أدخلت على القانون الدولي للمياه.

●إن إسرائيل تحمي سد النهضة بقدراتها العسكرية وبقبة حديدية لأن سد النهضة يمثل مصداقية النص التوراتي في سفر التكوين القائل((في ذلك اليوم قطع الرب وعدا لأبرام إني أعطيك ولنسلك من نهر الفرات إلي نهر مصر الكبير)).

هل ما يزال السودان ينتظر المرونة من جانب إثيوبيا في مراحل تفاوضية قادمة؟؟أم أن للسودان تصوراته المستقبلية المستوعبة لكل ما جرى ويجري حوله بشأن تأمين حصته من مياه النيل الأزرق وحقوق الأجيال القادمة خاصة وأن منشآته المائية ضعيفة القدرة على التخزين المائي الموسمي ودونكم خزان خشم القربة الملئ بالأطماء بما يضعف من قدرته على التخزين والذي قال عنه وزير الري الأسبق/ المهندس كمال علي تكلفة تنظيفه من هذه الأطماء يعادل تكاليف بناء سد جديد؟؟!!!!!!

نواصل بمشيئة الله،،،
شرف الدين أحمد حمزة
0114541743

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى