شرف الدين احمد حمزة يكتب : السودان ومصر_منظورات جديدة للعلاقات(تحديات البقاء والنماء) (2)

الخرطوم : الحاكم نيوز
◇نحن نعيش الآن بكل صدق على أعتاب دورة تاريخية جديدة ليس في وادي النيل وحده الذي يضم إثيوبيا والسودان ومصر ولكن ذلك سيشمل ما يعرف بإقليم الشرق الأوسط بكامله،وهذه الدورة التاريخية تعبر عنها الآن وبضراوة نذر حرب طاحنة ستكون لها أبعادها ونتائجها على الجغرافيا والإقتصاد والوجود البشري والإجتماعي لشعبي وادي النيل في السودان ومصر على وجه الخصوص في نتائجها الأولية المتوقعة وذلك إنطلاقا من خلاصة الموقف الإثيوبي الإستراتيجي بعدم تقديم أية تنازلات أو إبداء أية مرونة في سلسلة مفاوضاتها مع الأطراف المتوقع تضررها مباشرة من إستمرار إثيوبيا في برامجها بملء البحيرة العظمى لسد النهضة مرورا بعملية الملء الثاني ليصل مخزون البحيرة إعتبارا من يوليو 2021إلي أكثر من 13.500مليار. م من المياه في موسم الأمطار الحالي مع الرفض الإثيوبي المتعنت بعدم التوقيع على أية إلتزامات قانونية بضمانات إقليمية ودولية بحسابات تصرفاتها المائية وإدارة حسابات التدفق السنوي لمياه النيل الأزرق للسودان ومصر بعد إكتمال بناء سد النهضة وإستمرار عمليات الملء والتخزين السنوي تباعا الأمر الذي سيكون له نتائج مدمرة على السودان ومصر فضلا عن تنصلها عن الإلتزام بتقديم أية إلتزامات تعويضية حول معدل الأمان في حالة إنهيار هذا السد الهائل المقام على صفائح جرانيتية وبازلتية متحركة أو قابلة للحركة بفعل حجم مخزونات المياه الهائلة الضاغطة سيما وأن هذه الصفائح سبق أن إنكسرت وتحركت في حقبة الإنكسار العظيم الذي نتج عنه ما يعرف تاريخيا “بالأخدود الإفريقي العظيم”الذي يعرف الآن “بالبحر الأحمر”فضلا عن كون تاريخ الهيدرولوجيا في إثيوبيا سجل العديد من الإنهيارات لسدود إثيوبية تكتمت عليها لحاجة في نفس إثيوبيا!!!!

◇يجمع خبراء الدراسات السياسية والإستراتيجية على أن جميع الحروب العربية الإسرائيلية كلها كانت وستظل متعلقة بالمياه العذبة وسنعرف لاحقا كيف أن الحرب المدمرة القادمة والتي أشرنا إلي نذرها قد تبدت واضحة في الأفق ورائها كذلك إسرائيل ولكنها ستديرها من وراء الكواليس متخفية ولكن أصابعها وآثارها ستبدو للمكذبين والمتشككين حول الدور الإسرائيلي وراء الحرب القادمة بالتدريج عندما تسفر عن وجهها الحقيقي بعد إنقشاع هذه الحرب المتوقعة ومطالبتها بحصة مياه النيل وتدفقاتها السنوية بما يعادل %4من الإيراد السنوي للنيل وفق الإستراتيجية والمخطط الإسرائيلي والذي أحكمت نسجه وفق إتفاقيات إقليمية لايتم تداولها أو الحديث حولها بتاتا مع كونها القاموس والشفرة السرية التي تشرح حقيقة أزمة سد النهضة برمتها والتي سنتناولها لاحقا إن شاء الله.

◇الأجيال الجديدة الشابة لا تعلم أن الإنكسار العربي وإندياح برامج وإتفاقيات التطبيع العربي الإسرائيلي حتى ساعة أطروحات إتفاقيات الإبراهيمية السياسية للتعايش السلمي بين الأديان والأعراف إنما مرد ذلك كله هو الهزيمة العسكرية للجيوش العربية في حرب 5/يونيو/1967حيث كانت هذه الحرب بسبب إقدام إسرائيل عام 1966بالإعلان عن نيتها في تحويل مجرى نهر الأردن إلي داخل صحراء النقب داخل أراضي دولة الكيان العبري وبدأت فعليا في تحريك آلياتها وحفاراتها تجاه حدودها مع الأردن الأمر الذي دفع بجامعة الدول العربية فورا عام 1966بالدعوة لأول مؤتمر قمة إستثنائي عاجل بمقرها بالقاهرة لمجابهة التهديدات الإسرائلية للمياه العربية،حيث خرجت توصيات القمة العربية مهددة بإلقاء إسرائيل في البحر إن أقدمت على مخططها هذا الرامي لتحويل مجرى نهر الأردن!

◇إستفادت إسرائيل من هذا الإجماع العربي وإعلانه تهديد الوجود الإسرائيلي على الأرض العربية المحتلة وأخذ إعلامها القوى وسيطرتها على الصحف والإعلام الأمريكي والغربي في تصويرها بكونها مغلوبة على أمرها ومهددة من قبل جيرانها العرب وبدأت تكسب تعاطفا دوليا عبر دبلوماسية ناعمة أتاحت لها تمثيلا دبلوماسيا مريحا في قارات العالم أجمع،ومن ثم بدأت إسرائيل في إحكام خططها التعبوية من منطلقات دينية وأخذت في إستدراج الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر إلي معركة كانت هي قد حددت زمانها ومكانها عبر مقدمات وسيناريوهات متعددة.

◇ففي12مايو1967بدأت إسرائيل الحديث عن الحرب عند ما زعم الصهيوني(ليفي أشكول)رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن إسرائيل ستتخذ إجراءات فعالة ضد ما أسماه بمراكز التخريب في سوريا وبعدها أعلن متحدث رسمي إسرائيلي بأن إستخدام القوة هو الوسيلة الوحيدة لما أسماه بأعمال التخريب التي تقوم بها سوريا داخل إسرائيل،وأضاف المتحدث الإسرائيلي الرسمي أن إسرائيل بمقدورها غزو سوريا والإستيلاء على دمشق!
وفي 13/مايو/1967أذاع متحدث رسمي سوري بوزارة الخارجية السورية بيانا ردا على تصريحات(ليفي أشكول)جاء فيه أن سوريا تحمل إسرائيل وحماتها(يقصد أمريكا)مسئولية ما قد يحدث في المنطقة وأن إتفاقية الدفاع العربي المشترك ستوضع موضع التنفيذ الفوري في حال قيام إسرائيل بالعدوان على سوريا.

◇كانت العلاقات المصرية السوفياتية في أوج مجدها حيث كان الروس ينفذون مشروع بناء السد العالي جنوب أسوان،ويساعدون مصر في بناء قاعدة التصنيع الثقيل،ويجودون على الجيش المصري ببعض قطع الأسلحة الدفاعية دون الهجومية رغم الإلحاح المتكرر من جانب الرئيس المصري جمال عبد الناصر ولكن دون جدوى أو إستجابة من جانب الروس.
وفي 15/مايو/1967عاد أنور السادات رئيس مجلس الأمة المصري من زيارة رسمية لموسكو في أعقاب زيارة برلمانية حيث أطلع الرئيس جمال عبد الناصر على المعلومات”الخطيرة”التي همس بها الروس لأنور السادات لإبلاغها للرئيس عبد الناصر حول الحشود الإسرائيلية على الحدود مع سوريا وقد تبين بعد هزيمة الجيش المصري لاحقا أنها كانت معلومات مضللة وكاذبة لتشتيت الجهد المصري والعربي عموما.
وفي 17/مايو/1967أعلنت مصر التعبئة العامة وبعث الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية المصري برسالة عاجلة إلي الجنرال(ريكي)قائد قوات الطوارئ الدولية طلب بمقتضاه سحب قوات الطوارئ الدولية من خط الهدنة بإتجاه غزة،كما بعث محمود رياض،وزير الخارجية المصرية بخطاب إلي(يوثانت)سكرتير عام الأمم المتحدة يطلب خلاله إنهاء وجود قوات الطوارئ الدولية من الأراضي المصرية وقطاع غزة الذي كان واقعا تحت الإشراف المصري في أعقاب حرب 1948وقبول العرب للهدنة مع العدو آنذاك تحت إشراف الأمم المتحدة!

◇وصل”يوثانت”سكرتير عام الأمم المتحدة إلي القاهرة إثر الطلب المصري بإنهاء وجود قوات الطوارئ الدولية في محاولة لتفنيد المعلومات الخاصة بوجود حشود إسرائيلية على الجبهة السورية،لكن تحت إلحاح الجانب المصري سيما وأن المعلومات التي كان قد بعث بها قادة الكرملين بواسطة أنور السادات التي تؤكد وجود الحشود العسكرية على الجبهة السورية كانت قد شكلت أهم دوافع الرئيس المصري جمال عبد الناصر لرفضه نصيحة(يوثانت)سكرتير عام الأمم المتحدة التي بذلها مخلصا لعبد الناصر والتي أكدت له كذب دعاوى الحشود العسكرية الإسرائيلية على الجبهة السورية.
وخطورة سحب قوات الطوارئ الدولية بناء على ذلك!
وفي 18مايو/1967أعلن “يوثانت”سكرتير عام الأمم المتحدة الموافقة على سحب قوات الطوارئ الدولية،في 19/مايو/1967أعلنت إسرائيل أن إنسحاب قوات الطوارئ الدولية سيمكن القوات المصرية من تهديد الملاحة في”مضايق تيران”قبالة خليج العقبة!!!

◇وفي 27/مايو/1967عقد الرئيس المصري جمال عبد الناصر مؤتمرا صحفيا أذيع على الهواء مباشرة حيث وضعت مكبرات الصوت في الميادين والحدائق العامة وأجاب الرئيس عبد الناصر على”44″سؤالا صحفيا حول مدى إحتمال نشوب الحرب وكانت إجاباته بطريقة إستعراضية ترضى غرور أبناء البلد في الشارع المصري،ومن ثم غرقت شوارع القاهرة وميادينها العامة وواجهات البنايات والمؤسسات والمتاجر في بحور من اللافتات التي تهدد وتنذر إسرائيل وتعلن التضامن الشعبي مع القيادة السياسية فكانت اللافتات تقول(في خليج العقبة قطع الرقبة).

◇إهتاجت العواصم العربية أثر هذا وتبعا للمناخ السياسي العارم بالقاهرة حيث وصل وفدا عراقيا على مستوى عال،وأعلنت جزائر “هوارى بومدين”إستعدادها لوضع قواتها المسلحة تحت تصرف القيادة العربية الموحدة،وأعلن المشير عبد الله السلال رئيس مجلس قيادة الثورة في اليمن أن إمكانات اليمن تحت تصرف سوريا وهي تخوض المعركة،وفي لبنان بدأت الدعوة لتسليح أبناء القرى الحدودية مع إسرائيل،وفي الخرطوم العاصمة السودانية خرجت الجماهير تهتف(السلاح يا حكومة)حتى تتمكن من المشاركة في الحرب وقد أرسلت حكومة السودان ثلاث سرايا من الجنود إلي مصر خدمة للمعركة.

◇وكانت المفآجأة الصدمة الكبرى والكارثة المهينة التي لحقت بالأمة العربية جمعاء ففي صباح يوم الإثنين الحزين 5/يونيو/1967قامت القيامة حيث إخترقت السماوات العربية المئات من الطائرات الإسرائيلية من طراز المستيري،والفانتوم،وكانبير،ونور أطلسي الحربية التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي تحت قيادة (الآلاي مردخاي هود)قائد سلاح الجو الإسرائيلي وقامت بتدمير ودك المئات من الطائرات الحربية المقاتلة المصريةوهي جاثمة على مدرجاتها بمطارات الماظة،والهايكستب،وأنشاص،وجناكليس،وأبو صوير،وأبو سلطان،والمرج،والمنصورة،وكذلك المطارات السورية،ومطار الحبانية العراقي،وإجتاحت دبابات وسرايا جيش الدفاع الإسرائيلي وإحتلت مدينة القدس بكاملها،وقطاع غزة،وصحراء سيناء،والضفة الشرقية لقناة السويس وأصبحت جميع مدن القناة مهددة في السويس والإسماعيلية،كما إحتلت القوات الإسرائيلية هضبة الحولان السورية ومساقطها المائية التي تضخ حوالي 500مليون م.من المياه سنويا وإحتمت إسرائيل ببناء خط بارليف المنيع وبدأت حرب الإستنزاف وضرب العمق المصري حتى الصعيد المصري وأعلنت إسرائيل إنها صاحبة اليد الطولى وتمادت وقصفت مدرسة بحر البقر الإبتدائية بالزقازيق بمحافظة الشرقية المصرية في جريمة بشعة نكراء إستشهد خلالها العشرات من التلاميذ النواضر وواصلت قصفها لخطوط جبهة القتال الأمامية والتي كانت سببا في إستشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض القائد العام للقوات المسلحة المصرية وهو بين جنوده متفقدا لهم في خطوط الدفاع الأمامية.

◇إختلت موازين الحياة في مصر بأكملها ونزح الآلآف من الشعب المصري من مدن القناة إلي القاهرة وضواحيها وتعطلت الحركة البحرية بقناة السويس وإنقرضت عوائدها الإقتصادية لكن مصر ما إنكسرت وأمتها العربية فجاءت قمة اللاءات الثلاث بالخرطوم بألا صلح ولا تفاوض ولا إعتراف بإسرائيل وتدفق الدعم العربي على مصر وسوريا لإعادة بناء الجيش العربي المصري والسوري وأعلن عبد الناصر بعدها بأن ما أخذ بالقوة لن يسترد بغير القوة،لكن عبد الناصر لقى ربه في العام 1970تحت ضربات مرض السكر وجلطات الساق ومرارة تصديق نصائح الكرملين الخادعة بوجود حشود إسرائيلية على الحدود مع سوريا وكذلك إبتلاع الخديعة السوفياتية التي أبلغها إياه السفير السوفياتي ليلا في 3/يونيو/1967بألا يكون هو البادئ بحرب إسرائيل فبادرت إسرائيل الحرب وكسبت الجولة التي بدأت بإعلان إسرائيل بنيتها لتحويل مجرى نهر الأردن إلي داخل صحراء النقب الإسرائيلية.

◇وتمت إعادة بناء الجيش المصري بقيادة السادات وخاض معركة العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر1973وعبر الجيش المصري ودك خط بارليف وقاد معركة السلام ووقع إتفاقية كامب ديفيد وإتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979ولكنه كان قد هيأ وادي النيل إلي حرب المياه المدمرة التي نحن على أعتابها الآن كيف ومتى ولماذا؟؟؟!!!!!

نواصل بمشيئة الله تعالى..
شرف الدين أحمد حمزة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى