
الخرطوم الحاكم نيوز
نعتذر للقراء الكرام عن حلقة اليوم (محاكمات رموز الإنقاذ … مطاردة الساحرات) علي أن نعاود قريبا إن شاء الله .
مواصلة للحلقة السابقة لم ينتظر مولانا أحمد هارون رد اللجنة علي سؤاله عن يومية التحري للبلاغ المدون بشرطة مدينة الجنينة في العام 2006 ، بل أجاب علي سؤاله مباشرة ، فقال أن معلوماته تشير إلى أن يومية التحري تلك لاتزال محفوظة بقسم شرطة الجنينة ، وكل مافي الأمر أن النائب العام إطلع علي ملخص لأعمال مكتب مدعي جرائم دارفور السابق ، ووجد ضالته في ذلك البلاغ القديم والذي لفت إنتباهه فيه وجود إسم (كوشيب) ضمنه ، كما أن البلاغ يحفل بحشد من مواد الإتهام التي تبقي المتهمين تحتها بالحراسة دون ضمانة (جرائم خطيرة تصل العقوبة فيها لدرجة الإعدام ، لذلك لايجوز الإفراج عن المتهمين فيها بالضمان كما درج النائب العام علي التصريح دوما عندما يكون هناك سؤال عن أوضاع المعتقلين من رموز النظام السابق) .
تماما كما يلحظ المراقب تعامل النائب العام مع المتهمين في بلاغ إنقلاب الإنقاذ ، إذ أن غالبية المتهمين مفرج عنهم بالضمانة والعدد الأقل محبوسين علي ذمته بكوبر ، وكأن النائب العام يقصد تصنيفهم الي متهمين وشهود ملك ، لذا أفرج عن غالبيتهم بالضمان ، وواضح من مراجعة أسماء المتهمين المفرج عنهم (ومنهم أعضاء في مجلس قيادة ثورة الإنقاذ) وأولئك الباقين بالسجن .
أعتقد أن النائب العام إشتغل شغل سياسي بحت وليس قانوني ، لأنه ولو إفترضنا جدلا أنهم أصبحوا جميعا شهود ملك فإنه لايمكنهم الإستفادة من هذه الوضعية إلا بعد إنتهاء المحاكمة وتقرير المحكمة أنهم وفوا بشروط الإفراج تحت شهادة الملك ، ولذلك تظل بيانات النائب العام بتوزيع الإتهامات علي هواه بأن المتهم الفلاني لايجوز الإفراج عنه بالضمان لأنه يواجه إتهامات خطيرة تصل عقوبتها الإعدام (مجرد طلس سياسي) لاعلاقة له بالقانون كما أجمع كل القانونيون الذين إستطلعناهم في هذه المسألة ، والمثال الثاني الذي يؤكد صحة ذلك قضية المرحوم الدكتور عبدالله البشير ، إذ كان متهما ثانيا في بلاغ صندوق الخدمات الطبية ، ورغم التصديق بالإفراج عنه بالضمان المالي وإيداعه لمبلغ الضمان ، ولكن لكونه شقيق الرئيس السابق ظل بالحبس إلى أن توفاه الله !.
طالب مولانا أحمد هارون اللجنة بإعادتها التأكيد علي أن من وجه بإضافته لذلك البلاغ هو النائب العام شخصيا دون سماع أي شهود بواسطته بل وذهابه بعيدا بأن وجه مباشرة إتهام له ، وهي مرحلة متقدمة في إجراءات الدعوي وتتم بحسب القانون بعد أن يكمل المتحري إستيفاء تحرياته الأساسية ويتم تحرير (ورقة الإتهام) ويتم تلاوتها علي المتهم ويدون رده أو رد محاميه عليها ويخطر بحقه في إستئناف قرار توجيه الإتهام خلال أسبوع .
وليس ذلك فحسب بل أكد مولانا هارون أن يومية التحري بحالتها التي ظلت بها منذ 2006 لا تتضمن أي بينات تبرر ضمه لذلك البلاغ ، وأن أول إجراء أتخذ بشأن تلك اليومية عقب إنقضاء (ثلاثة عشر) عاما هو ما إتخذه النائب العام بضم هارون وبقية المتهمين (الرئيس السابق والفريق عبد الرحيم وعثمان كبر والحاج عطا المنان) كمتهمين في البلاغ ، ووجه اللجنة بالسير في الإجراءات وفقا لذلك ، وهذا يعني بالواضح (أنا قبضتهم ولتذهب اللجنة تبحث عن مبررات لذلك القبض) .
إزاء ذلك الموقف فقد سجل مولانا هارون طلبه بمحضر التحقيق واشتمل طلبه علي ذات الحيثيات التي خاطب بها الرأي العام ببيان في الثالث من مايو الجاري 2021 باللغتين (العربية والإنجليزية) ، ومن الواضح أن هارون جاء للجنة وهو جاهز لذلك الموقف الذي أعلنه .
السؤال الذي ظللنا نبحث له عن إجابة ولاتزال مساعينا جارية هل هذه المرة الأولي التي يطلب فيها هارون مثل ذلك الطلب (المثول أمام الجنائية أم سبق وأن طلب ذلك في عهد النظام السابق ؟) ، نقول ذلك وفي ذهننا حديث الرئيس السابق عن إتهام الجنائية لهارون ومبرراته وردة فعل هارون وقتها ، وذلك في آخر زيارة للرئيس السابق لولاية شمال كردفان لدي لقاءه لفعاليات الولاية بقاعة المرحوم المشير سوار الذهب بأمانه الحكومة ، وهذا مايحفزنا لتكثيف البحث عن ذلك الامر .
غير أن بيان هارون أثار ضجة هائلة وحرك ساكنا كبيرا في الساحة القانونية والسياسية السودانية والإقليمية والدولية ، واضح أن هارون قصد به مخاطبة محكمة الرأي العام بالتزامن مع مخاطبته للجنة التحقيق ، معتمرا قبعتي (قاضي الجنايات السابق والسياسي) ، مفجرا بها قنبلة لازال صداها متواصلا ، ومن الواضح جدا أن هارون قصد إستخدام تكتيك (الصدمة والمفاجأة) معا في القضية علي طريقة المحترفين ، تكتيك بلاشك قد أربك اللجنة والرأي العام وبل أربك بشكل أكبر السلطات ، وقد تداعت من بعده كل (مكعبات الدومينو) ، فالمستشار أبوقراط عضو اللجنة إنتشر خبر فصله من الخدمة عقب مرور نصف ساعة فقط من إنتهاء جلسة التحقيق تلك وهو المستشار الأكثر نشاطاً بل والقاسم المشترك لكل عضوية لجان التحقيق التي تباشر التحقيق أو تمثيل الإتهام في البلاغات والقضايا المرفوعة ضد رموز النظام السابق .
وأعقبه عصر نفس اليوم ظهور التسريبات التي تفيد بتقديم النائب العام لإستقالته جراء أعمال وقرارات لجنة إزالة التمكين ، فهل ياتري ستتساقط بقية مكعبات الدومينو المتبقية ، لا سيما وأن المدينة تعج بأحاديث وطرف متناقلة أن الصالحون من أهل هارون وهم (من أهل بيت دين وتقوي) قد لحقوا بدعواتهم في رمضان أعداء الرجل ، ويقال أن هنالك كرامات قد ذبحت بهذه المناسبة وأن إستنفارا جديدا قد تم وآخرا سيتم لمزيد من الحركة الدءوبة وسط الخلاوي والمشائخ والمجتمع حيث تداعوا جميعهم من تلقاء أنفسهم بمبادرات ذاتية نصرة لهارون في قضيته والتي يرونها عادلة .
الجدير بالذكر أنه وحتي الشهود الذين تم إستدعاءهم بواسطة اللجنة من بعد ذلك وهم قادة القوات المسلحة وقتئذ وباقي ولاة دارفور في ذلك الوقت لم يدلوا بإفادات تبرر ضم المتهمين الجدد لذلك البلاغ ، لقد كانوا في غاية الوضوح والجرأة والحسم في شهادتهم ، قالوا (لقد كانت هناك حرب وقمنا بمايجب علينا القيام به ولم نتلقي أي أمر غير مشروع من القيادة السياسية للبلاد بالمخالفة للدستور أو القانون) ، ولكن هل بيان هارون آخر سهم أو طلقه أم أن في جعبته سهام وطلقات أخرى ؟! ، بلاشك عندي أن الليالي حبلي بالمفاجآت وستأتينا بالجديد .
الرادار .. السبت الثامن من مايو 2021 .