تأملات – جمال عنقرة – الطريق الثالث يتأخر .. والثاني يتقدم

الخرطوم الحاكم نيوز
كثيرون اتفقوا معي في أن الطريق الأول قد قضي نحبه، وذهب مأسوفا عليه بعد أن أضاع من ال إليهم الأمر بعد الثورة كل الفرص التي أتيحت لهم للإستفادة من الميزات التفضيلية لثورة ديسمبر المجيدة، وأهم ما تميزت به ثورة ديسمبر أنها ثورة شارك فيها السودانيون جميعا بلا استثناء، وهذا كان يقتضي أن يكون النظام الذي يعقبها نظاما يستوعب كل أهل السودان بلا استثناء، ويجد فيه كل سوداني نفسه، وكان المرتجي أيضا أن تظل روح الثورة التي جمعت الناس جميعا حاضرة في كل أعمال الدولة، إلا أن طمع وجشع بعض الذين ال إليهم الأمر جعلهم يستأثرون بكل شئ، وينعزلون بالدولة حتى عن الذين كانوا أفعل منهم في صناعة الثورة، وكانت هذه هي القاضية.
لم أفقد الأمل بعد في أن ندرك في الطريق الثالث كل ما فاتنا بضياع الطريق الأول، إلا أن أحداث الأيام القليلة الماضية جعلت خيار الطريق الثاني يتقدم علي حساب الطريق الثالث الذي نراهن عليه، وكنت قد ذكرت في مقال سابق أن الطريق الثاني هو طريق كل الذين يسعون إلى إسقاط الحكومة القائمة كيفما اتفق، سواء عن طريق مظاهرات شعبية، أو بتدخل مباشر من الجيش، أو الإعتراف بالفشل، أو حتى حالة من الفوضي تعم البلاد لا يهم ماذا يحدث بعدها، المهم تختفي هذه الحكومة، ومرحبا بكل ما يأتي بعدها، ولأني لست مع أي من خيارات الطريق الثاني هذا، واعتبرها كلها ردة عن طريق التطور الذي فتحت بابه الثورة، ظللت أدعو، وأبشر، وأعمل من أجل أن يتحقق الطريق الثالث، ولكنني الآن أري، ولعل كثيرون يرون ذات ما أري من تقدم للطريق الثاني، فالمظاهرات التي خرجت يوم أمس الأول الثلاثاء السادس والعشرين من شهر يناير في ذكري تحرير الخرطوم، فاقت كل المظاهرات التي سبقت مناهضة للحكومة الحالية، أو رافضة لبعض سياساتها، ثم أنه لم يكد يبق فصيل من فصائل الشعب السوداني لم يخرج في هذه المظاهرات، وكان في مقدمة الخارجين كثيرون من الذين كانوا يدعمون الثورة، بل بعض طلائع التغيير، فلقد كانت لجان المقاومة في مقدمة الركب، وهؤلاء خرجوا قبل يوم تحرير الخرطوم، ولم يتوقفوا عنده، فكثيرون منهم لا يزالون يغلقون الشوارع، ويشيدون المتاريس، ويشعلون الحرائق، ولا أحسب أن هؤلاء سوف يعودون إلى منازلهم قبل أن تشهد البلاد تغييرا جذريا، ومع هؤلاء خرج الشيوعيون، وخرج تجمع المهنيين، وفي هذه المرة كان خروج التيار الإسلامي لافتا للنظر، فلم يقف عند منسوبي الحركة الإسلامية وحدهم، فلقد تقدم الصفوف المتصوفة، والسلفيون، وكثيرون من عموم المسلمين الذين لم يعودوا قادرين علي احتمال الحملات المنظمة التي يقوم بها حكوميون جدد ضد قيم وثوابت، ومظاهر الدين، ولقد تأكد للناس أن هؤلاء مجرد تروس في (حداف) كبير ماكينة تدويره خارج السودان فخرج هؤلاء جميعا منددين بهذه الحكومة، وداعين إلى إسقاطها، وغير هؤلاء خرجت جماهير من عامة الشعب، لم يخرجهم شئ سوي حالة الضيق التي عمت البلاد، ولم تعد هناك بوارق أمل للحل تلوح في الأفق القريب المنظور، وزاد من استيائهم الخطاب الماسخ، والحلول الهلامية التي خرج يبشر بها المتحدث باسم الحكومة بعد اجتماع السيد رئيس الوزراء مع وزراء القطاع الإقتصادي وآخرين، وهي حلول علي شاكلة (سنعبر وننتصر) وللناس تجارب مع وعود هذه الحكومة ذهبت كلها هباء منثورا. وفي ذات الوقت تعالت الأصوات التي تنادي باستلام الجيش للسلطة، وهؤلاء فضلا عن اعتمادهم علي منطق غيرهم من الثائرين من الذين ذكرتهم سابقا، فإنهم تخيفهم أكثر الإضطرابات الأمنية بأشكالها المختلفة، التي لم تعد خافية علي أحد، ولذلك حدد هؤلاء هدفهم واضحا باستلام الجيش للسلطة إلى حين إستقرار الأوضاع ثم ردها مرة أخري للشعب عبر انتخابات حرة نزيه، وبعضهم يطالب باستمرار الجيش في السلطة إلى حين زوال كل المخاطر التي تهدد السودان، وإلى حين التوافق والتراضي علي نظام حكم مدني يمكن أن يحقق استقرار البلاد، ويحفظ أمنها وأمانها.
وبالمقابل فإن عثرات الطريق الثالث الذي نراهن عليه تزداد لحظة بلحظة، فلا يزال شركاء الحكم القدامى والجدد يتعثرون في تحديد مرشحيهم لمجلس الوزراء، ناهيك عن المجلس التشريعي، وكنت قد بشرت في مقال سابق ببعض ما لاح من مظاهر تقدم، وذلك بالتزام بعض الشركاء، وتعهدهم بتقديم كفاءات للمواقع التي تخصص لهم، وأشرت في ذلك إلى تعهد حزب الأمة القومي، وحركة العدل والمساواة، ولا أقول أن الأمر لا يزال يراوح مكانه، أو يتعثر، ولكنه تردي، واوشك أن يدخل في نفق مظلم، ففضلا عن قائمة مرشحي مركزية الحرية والتغيير، ظهرت قائمة أخري لمرشحين لذات وزارات الحرية والتغيير من قوي أخري داخل الحرية والتغيير، هي مجموعة (9+1)، هذا غير الوزارات التي يطالب بها حزب الأمة والذي أكد مشاركته، ويطالب بنصيب حسب وزنه، وهو (إيد في القدح وعين في القندول) وذات وزارات الجبهة الثورية صارت تتنازع عليها قوي أخري باسم الجبهة الثورية، وهي مجموعة السيد منى أركو مناوي، المعروفة باسم (الجبهة الثورية ب) ومعلوم أن الصراع في أروقة الشرق لا يزال محتدما، وازداد حدة وتعقيدا بعد دخول فاعلين حاكمين، ووسطاء وداعمين خارجين، مساندين لبعض، ومعادين لبعض آخر، وكل ذلك أمر غير طبيعي، وغير مستقيم، ويباعد بين الشركاء الفرقاء، ويبعدنا عن الطريق الثالث الذي نرجوه أن يسود، ويجعلنا أقرب إلى المجهول، والله المستعان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى