أخر الأخبار

تأملات جمال عنقرة : الطريق الثالث .. الأول قضي نحبه، والثاني يقضي علي الجميع

الخرطوم : الحاكم نيوز

هذا هو المقال الذي كنت مقررا كتابته أمس، لكنني قدمت عليه مقالي عن بلدي واهلي في كردفان الذي كان عنوانه (شمال كردفان .. تصفير العداد) وهو مقال لا يزال كثيرون يتداولون فكرته، ولقد أشرت لكثيرين من الذين تواصلوا معي أني لم أهدف إلى تثبيت الوالي الأستاذ خالد مصطفي، ولا دعم الحملة التي تنادي برحيله، ولكنني قصدت أن أدعو إلى منهج عرف به أهلنا الكردافة، فلا الحزبية ولا القبلية ولا الجهوية تفرق بيننا، ولا حتى الدين، فأخي وزميلي الراحل عادل عيدو جورج اسطافانوس ظل أحب الناس إلى نفسي منذ أن التقينا أول مرة في مدرسة عاصمة كردفان المتوسطة بالأبيض قبل نصف قرن من الزمان وحتى رحيله المر، وعندما أعدد أمهاتي أذكر معهن والدته الراحلة ماما وداد شنودة، ولقد افتقدتها كثيرا هذه الأيام، فعندما حدثت أزمة خبز في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وكنا نظنها كانت طاحنة قبل أن تطحننا هذه الأزمة الماثلة، ففي تلك الأزمة وجدنا الحل عند ماما وداد التي كانت تصنع لنا في بيتها الخبز المميز للفطور.

وقبل الدخول في موضوع اليوم كان قد اتصل بي ابن عمنا صديقي وأستاذي الجليل أبو العباس الشاعر الكبير السر أحمد قدور وتحدث معي عن خبر توجيه الرئيس الأميركي جو بايدن المصانع الحربية الأمريكية لتوجيه كل طاقاتها لإنتاج لقاح كورونا، ودعاني أبو العباس للتأمل في ذلك، ومقارنته بالحملة التي يقودها البعض في السودان لتصفية الصناعات الدفاعية، وقال أبو العباس إن الذين يفعلون ذلك يعلمون قيمة المصانع الحربية في السودان، وفي كل بلاد العالم، ولكنهم يستهدفون من حملتهم النيل من المؤسسة العسكرية السودانية، وضرب الجيش لأنه أصبح يمثل حائط الصد الأول، إن لم يكن الأوحد الذي يقف في وجه الحملات التي يقودونها بالوكالة لتقسيم السودان، وضرب وحدته، وتفتيت عضده، ومحو شخصيته، وهم يعلمون أن ذلك لن يحدث في وجود الجيش السوداني حامي العرين، وحارس الحدود، وصائن العروض، وأفضل عزاء في الحديث الأخير المسؤول لوزيرة المالية الدكتورة هبة محمد علي، التي يبدو أنها قد وقفت تماما علي تجربة منظومة الصناعات الدفاعية، وعلمت بكل تفاصيلها، وشهدت بما علمت، فبرأت هبة المنظومة من كل التهم الموجهة إليها من قبل المغرضين والجاهلين والمستخدمين، وشهدت بما تقدمه شركات المنظومة للإنتاج بما يسهم في الدخل القومي، وحاجة البلاد من كثير من السلع والخدمات، هذا فضلا عن اسهامها في عائد الصادر، كما أبانت أن كل ذلك يتم تحت سمع وبصر وزارة المالية، وبتنسيق كامل معها.

أما إلى الذين يسألون عن ذهابي إلى الخيار الثالث، وتركي الخيارين الأول والثاني، فأقول لهم نحن مع بداية الثورة كنا نركز على الخيار الأول، وندعو له، ولعل الناس يذكرون الحلقات المتتالية التي كنت أقدمها أسبوعيا في برنامجي التلفزيوني (أوراق) في قناة الخرطوم الفضائية تحت عنوان واحد (نحو وطن يسع الجميع) واستضفت فيها عدد من السياسيين والمفكرين من مختلف الإتجاهات والتوجهات، منهم علي سبيل المثال، الزعيم عبد الرسول النور، والأستاذ إبراهيم الشيخ، والدكتور التجاني سيسي، والبروفيسور حيدر الصافي، والدكتور إبراهيم الأمين، والشريف صديق الهندي، والسفير إدريس سليمان، والمهندس أبوبكر حامد نور، والسفير الشفيع أحمد محمد، والأستاذ عبد الله آدم خاطر، والأستاذ أبو علي أكلاب، والدكتور الأمين عبد الرازق، وآخرين كثر، وتحت ذات العنوان (نحو وطن يسع الجميع) كتبت عددا من المقالات، وتحت ذات الشعار (نحو وطن يسع الجميع) قدنا مبادرة الشيخ الياقوت لوحدة الصف الوطني والسلم المجتمعي، ودعمنا الإتجاه الأول الذي توافق عليه شركاء الحكم من المدنيين والعسكريين، بأن يتم اختيار قيادات الحكم في الفترة الإنتقالية من الكفاءات الوطنية غير الحزبية، وأن يتركز الجهد خلال الفترة علي تحقيق شعار الثورة (حرية، سلام وعدالة) ولكن وللأسف الشديد فإن الذين وضع الأمر بيدهم في الحاضنة السياسية للثورة، حادوا عن هذا الطريق تماما، ولم يأتوا بحكومة حزبية فقط، بل استأثرت أحزاب محددة من أحزاب قوي الإعلان بالنصيب الأكبر في كل شئ، ومما زاد الطين بلة أنهم لم يقدموا أسماء مقنعة، فكثيرون من الذين قدموهم لا يمتلكون كفاءة ولا خبرة، ولا سيرة طيبة، فألبوا عليهم رفقاءهم في قوي الإعلان قبل أن يألبوا عليهم الآخرين، فدبت الخلافات في قوي الإعلان، وتحولت إلى صراعات وانشقاقات، وفشل كثيرون من الذين قدموهم في تحقيق أي نجاح، فأغري هذه مخالفيهم، والذين تضرروا من التغيير، فأعادوا تنظيم صفوفهم، وصاروا يقودون حملات شعواء ضدهم، ودفع حال المعاش الذي ضاق، والسوء والتردي الذي عم كل مكان، دفع المواطنين للخروج ضد الحكومة، وأحيانا ضد الثورة، وبذلك انتهي أجل الطريق الأول، وصار في خبر كان، وذهب مأسوفا عليه.

الطريق الثاني هو الذي يدعو له كل الرافضين للحال الذي وصلت إليه البلاد، ويدعون إلى تغيير شامل، ولهذا التغيير مدارس ومناهج شتي، فمنهم من يدعو إلى الخروج إلى الشارع وإسقاط من أسموهم سراق الثورة، ومنهم هؤلاء الذين يغلقون الشوارع هذه الأيام، ويقيمون المتاريس، ويشعلون الحرائق، ومنهم من كانوا شركاء في الحاضنة السياسية مثل الحزب الشيوعي السوداني، وتجمع المهنيين، ومنهم خصوم لهم مثل الإسلاميين بمدارسهم المختلفة، الحركة الإسلامية، والطرق الصوفية، والجماعات السنية، وهؤلاء حركتهم الحملة المنظمة التي يقودها بعض الحاكمين ضد الدين، وضد ثوابت الأمة، ومن الذين يدعون إلى إسقاط الحكومة مواطنون من عامة الشعب، ضاقت عليهم الحياة، وهناك تيار آخر ضمن الطريق الثاني أيضا يدعون الجيش لاستلام السلطة، وإعلان حالة الطوارئ، وحل كل أجهزة الحكم القائمة، وهؤلاء جميعا يقودون إلى طريق قد يؤدي إلى الهاوية، ثم أن في كل ما يدعون إليه ردة عن الثورة، ونجاح أي خيار من خيارات الطريق الثاني يقضي علي الثورة تماما، ويفتح الباب علي المجهول، لذلك استبعدنا هذا الطريق، ولجأنا إلى الطريق الثالث.

وأهم ما ندعو إليه في الطريق الثالث الإبقاء على كل المؤسسات القائمة، وكل المواثيق، الوثيقة الدستورية المعدلة، واتفاق سلام جوبا، وأن تكون المرجعية للحاضنة السياسية الجديدة مجلس الشركاء، والعودة إلى المنهج المتفق عليه أولا للتقديم للوظائف العامة، الكفاءة والخبرة، والبعد عن المحاصصة الحزبية، مع حفظ لشركاء الحكم حقهم في تقديم مرشحين غير حزبيين تنطبق عليهم شروط الخبرة والكفاءة، ورغم التعثر الذي لا يزال يلازم عملية التشكيل الوزاري، إلا أن هناك بعض المبشرات يجب ألا نغفل عنها، منها حرص رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك علي تقديم ثلاثة مرشحين لكل وزارة، واشترط تقديم السيرة الذاتية لكل مرشح تدعم أهليته للوزارة، ومنها إعلان بعض الجهات التزامها بتقديم كفاءات للوزارات التي تخصص لها، ومن الذين تعهدوا بذلك حزب الأمة القومي، وحركة العدل والمساواة، وأتمني أن تنجح هذه المساعي، دون الحاجة إلى طريق رابع، وقبل أن تنجح واحدة من مساعي أهل الطريق الثاني الذين يعملون علي إسقاط الحكومة كيفما اتفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى